إسلاميات: بين الحاجات العضوية والغرائز الحاجات العضوية مثل الغرائز صفات أساسية في خلق الانسان، تحتاج الى الاشباع، وفيها القابلية للخير والقابلية للشر، وهي مثل الغرائز لا تجبر الانسان على توجيهها للخير أو على توجيهها للشر، فليس لها إرادة على الجسد أو أعضائه. والفارق بين الحاجات العضوية كالجوع والعطش مثلا وبين الغرائز مثل الشهوة للنساء وغريزة التدين وغير ذلك، أن الحاجات العضوية من الضروري اشباعها وإلا أدى عدم اشباعها الى ضرر كبير للجسد ينتهي بالموت، فالانسان يستطيع الصبر عن الطعام أو الشراب لأيام معدودة فقط، ولا يستطيع التوقف عن التنفس واستنشاق الهواء أكثر من دقائق معدودة.. بينما يؤدي عدم اشباع الغرائز الى حالة من عدم التوازن وعدم الاستقرار النفسي والضيق أو الاكتئاب، ولكن ذلك لن يؤدي الى موته أو تلف اجهزة الجسد واعضائه، فالانسان يستطيع ان يمتنع عن الجنس الآخر اشهرا أو سنوات أو حتى طوال عمره، رجلا كان أو امرأة، كما ان الكافر ليس لديه شعور بالدين أو تقديس الإله سبحانه وتعالى وقد يظل على كفره طوال حياته من دون تلف عضوي مادي لأجهزته أو أعضائه. ولذلك كانت قوة الحاجات العضوية أشد من الغرائز، وثورة الحاجات العضوية تطغى على ثورة الغرائز وتتقدمها في ضرورة اشباعها والاستجابة لها، فمثلا عندما يشتد الجوع والعطش فلن يكون هناك مجال لثوران الشهوة للنساء مثلا، ويفسر ذلك قول الرسول عليه الصلاة والسلام للشباب: “من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإن لم يستطع فعليه بالصيام فإنه له وجاء” أي: حصن ومانع وحجاب، وهكذا تقف الحاجات العضوية اثناء الصيام كعامل قوي لاخماد نار الشهوة الجنسية وكبح جماحها. عمليات الجسد الحيوية كما تختلف الحاجات العضوية عن الغرائز في أنها لا تحتاج الى مؤثر خارجي لإثارتها، فإنها تأتي نتيجة النشاط الحيوي للجسد، كنشاط عضوي للتخلص من المواد الضارة بالجسم والناتجة عن عمليات حيوية مختلفة، أو نتيجة لطلب احتياجات الجسم الضرورية من الهواء والماء والغذاء اللازمة لبقائه نشطا قادرا على الاستمرار في الحياة بشكل طبيعي. فالإنسان حين يعطش أو يجوع فإن ذلك يتم نتيجة احساس داخلي من دون الحاجة الى مؤثر خارجي يذكره بأنه في حاجة الى الماء أو الى الطعام، ولكن خلايا الجسد وأنسجته هي التي تحتاج الى الماء والهواء والطعام فإذا وصلت حاجتها الى حد معين بدأ الانسان بالشعور بالجوع أو العطش، فإذا لم يستجب الانسان بالطعام أو بالشراب فإن الحاجة اليهما تزداد شدة حتى تصل الى درجة لا يمكن للانسان مقاومتها، فإذا استمر الحال فإن الشخص يسقط من شدة الاعياء، ثم تبدأ حالته بالتدهور والضعف حتى تنتهي بموته ان لم يتم اسعافه بالماء والغذاء، وحتى عندما ينام الانسان لفترة طويلة فإن نداء تلك الحاجة العضوية للطعام أو الشراب أو الاخراج يدفعه الى الاستيقاظ ويمنع عنه النوم حتى يشبع تلك الحاجات الضرورية الملحة ولو اشباعا جزئيا. إثارة الشهوات يضع الاسلام الشهوة للنساء على رأس قائمة الشهوات كما جاء في الآية الرابعة عشرة من سورة آل عمران، ولذلك فهو يوليها عناية خاصة وتفصيلا كافيا لما لها من أهمية في حياة البشر في الأرض. وتتعدد موقظات الشهوة وعوامل اثارتها، فهناك عوامل داخلية تنبع من الشخص نفسه، وهناك عوامل خارجية ومؤثرات تتصل بحواس الانسان، ويحدد ذلك كله ما لدى الانسان من معارف سابقة ومعلومات وما لديه من مفاهيم متعلقة بكل الأمور. فالشهوة تنشط عند بلوغ الانسان مبلغا معينا من العمر يختلف قليلا من فرد الى آخر، ويعرف ذلك ب “سن البلوغ” حيث تبدأ غدد معينة في الجسم بافراز أنواع من الهرمونات التي تنشط نمو أعضاء الجهاز التناسلي وتوزيع الدهن تحت الجلد والثديين والعضلات ويتغير الصوت مميزا الرجل عن المرأة، ويبدأ الذكر بالاحتلام والأنثى بالحيض. وعند تلك المرحلة أو بعدها يستطيع الانسان ان يثير شهوته بمجرد التفكير والتخيل من دون وجود مؤثر خارجي يدفعه الى ذلك، وهو بذلك يحصل على نوع من اللذة بمجرد اثارة شهواته جزئيا، حتى ان بعض الشباب يقوم بممارسة “العادة السرية” لاشباع تلك الشهوة التي أثارها في نفسه بنفسه، وبعضهم يلجأ الى بعض أنواع التصرفات الشاذة للحصول على نوع من اللذة يرضيه جزئيا فيكرر ذلك حتى يعتاده ويصبح نوعا من المرض صعب المداواة والعلاج. ويدخل ما يحدث به الانسان نفسه من مثيرات الشهوة ضمن مفهوم الآية الكريمة في سورة آل عمران: “قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله ويعلم ما في السماوات وما في الأرض والله على كل شيء قدير” (الآية: 29) فالمؤمن يدرك تماما ان الله سبحانه وتعالى يعلم السر واخفى، ويعلم كل ما توسوس به النفس من خير أو شر، وتكتفي هذه الآية ببيان ذلك تنبيها للمؤمن بأن يبتعد بتفكيره عما نهاه الله عنه فإن الله مطلع عليه ويعلم الغرض منه ونية العبد من ذلك.. أما في الآية التالية من أواخر سورة البقرة فإن المعنى يختلف حيث لا يكتفي العبد بالتفكير بل يجهر بالقول وبما يفكر فيه، ولذلك يحق عليه الحساب بالثواب أو العقاب حسب نيته التي يعلمها الله سبحانه وتعالى، فتقول الآية الكريمة: “وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء قدير” (البقرة: 284). وحين يتحدث الانسان بما في نفسه ليثير شهوته نحو زوجته وليشبع شهوته معها فلا جناح عليه، بل له في ذلك أجر، لقول الحق تبارك وتعالى: “نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وقدموا لأنفسكم” (البقرة: 223) ولقول الرسول عليه الصلاة والسلام: “ولك في جماع زوجتك أجر” قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟! قال: “أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ كذلك إذا وضعها في حلال كان له أجر” والحديث بين الزوجين، والتلميح والتصريح والمداعبة من الأمور الملازمة لاشباع الشهوة بينهما. أجهزة الاستقبال أما المؤثرات الخارجية ومثيرات الشهوة فإنها ترتبط بأجهزة الاستقبال لدى الانسان، أي: الحواس، ويقف على رأسها البصر والسمع والجلد أي: حاسة اللمس، فالعين تزني وزناها النظر والأذن تزني وزناها السمع وكذلك الأيدي والأرجل. ويأمر الاسلام المؤمنين رجالا ونساء بغض البصر: “قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم” (النور:30) “وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن” (النور:31) ويقول الرسول عليه الصلاة والسلام: “زنا العينين النظر” ويقول: “النظرة سهم من سهام إبليس” كما نهى اثنتين من النساء أن تنظرا الى الأعمى قائلا: “أفعمياوان أنتما”. ويأمر الاسلام الرجال والنساء على السواء بستر عوراتهم وعدم التعري أمام الآخرين رجالا أو نساء، وأمر النساء بالخمار، وبالحجاب في حالات معينة، وعبر عن أجزاء الجسد التي يجب سترها بأنها “سوءة” وبأنها “عورة”، فيقول سبحانه وتعالى: “يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوءاتكم وريشا، ولباس التقوى ذلك خير، ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون، يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهما” (الاعراف: 25 26)، وقد نهى الرسول عليه الصلاة والسلام عن التجرد الكامل من الملابس بين الزوجين “... ولا يتجردا تجرد العيرين”. وحين يأمر الاسلام بالاستئذان في أوقات معينة ينام الانسان فيها أو ينزع عنه بعضا من ثيابه للراحة، فإنه يعبر عن تلك الأوقات بأنها “عورة” بيانا لحالة الانسان فيها حين ينزع بعض ثيابه أو تنكشف عنه أثناء نومه فيقول الحق تبارك وتعالى: “يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات، من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلاة العشاء. ثلاث عورات لكم..” (النور: 58). مظاهر مرفوضة أما من ناحية المنظور إليه أي: المثير للشهوات فإن الاسلام ينهى عن ابداء الزينة بكل اشكالها المثيرة والجاذبة للأنظار أو الاسماع أو العطور الجاذبة لانتباه الآخرين، وليس هناك في الاسلام شيء اسمه (الموضة) والتشبه بالغربيات أو الممثلات أو غير ذلك من أسماء ما أنزل الله بها من سلطان.. والعري بكل اشكاله مرفوض، واظهار الزينة مسموح به لفئات مخصوصة كما تبينها الآية (31) من سورة النور. وحتى حينما يخلو الانسان بنفسه فلا يجوز له التعري الكامل والنظر الى عورته بشهوة ولمسها بغرض الاثارة، فإن الله مراقبه ويراه “والله أحق أن يستحيا منه”. كما وضح الاسلام أن الخلوة بين الرجل والمرأة مرفوضة ومحرمة حتى ان الرسول عليه الصلاة والسلام عندما سئل عن “الحمو” قال: “الحمو الموت” بيانا لحرمة الانفراد معه حرمة كبيرة. وكذلك الحديث ولين القول والاستماع الى أصوات النساء والتجاوب معهن فقد جاء في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن الرسول عليه الصلاة والسلام: “والعينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخطى”. ومن هنا حرم الاسلام الخلوة بالأجنبية أو بغير ذات محرم. ولا استثناءات ولا ضرورات تحل ذلك. كما يفرق الاسلام بين الابناء في المضاجع، وبين ان اللمس والشم من موقظات الشهوة التي يجب الاحتراز منها. ويقف على رأس ذلك كله الشيطان العدو الأكبر للانسان والذي توعد باضلال البشر ودعوتهم الى كل ما فيه هلاكهم. ولكن الله سبحانه وتعالى يتعهد الناس بالرسل والأنبياء والوحي ليبين لهم الصراط المستقيم وسبل النجاة من كل ذلك ويهديهم الى ما فيه خيرهم في الدنيا والآخرة وتفصيل ذلك في كتاب الله الكريم وهدي نبيه الخاتم عليه وعلى آله الصلاة والسلام. الخليج |