الصلاة توحد الإسلاميين في تركيا بعيدا عن الصراعات السياسية والفكرية ومشاكل الحياة اليومية، وتحت شعار "لنحيى بالصلاة"، قام مجموعة من المثقفين في تركيا بإطلاق حملة تهدف إلى توعية الناس بأهمية الصلاة، وكان عددهم في البداية لا يتجاوز أصابع اليدين، ولكن الحملة حظيت بقبول لدى شرائح واسعة، ولحق بالقافلة كتاب وصحفيون وأكاديميون وتربويون. قطرة، ثم قطرة أخرى، وبعدها قطرة ثالثة. وهكذا تحولت القطرات إلى سيل عارم من المشاعر الإيمانية، لتصل إلى مشارق البلاد ومغاربها، بل وتعدت شهرتها إلى ما وراء الحدود؛ إلى قبرص، وألمانيا، وحيث تعيش فيه جالية تركية، وبعثوا رسائل إلى القائمين على الحملة تطلب محاضرة أو ندوة في مدنهم. وفي إطار حملة "لنحيى بالصلاة"، يجوب نفر من المتطوعين في مدن تركيا وأقضيتها، لإلقاء المحاضرات وعقد المؤتمرات والندوات لتذكير بأهمية الصلاة في الحياة، وتكتظ القاعات بالمستمعين صغارا وكبارا، نساء ورجالا، ليتذكروا ما نسوه أو غفلوا عنه، وكثيرا ما تذرف العيون وتسيل الدموع لقصص من تابوا والتزموا. ولا تقتصر فعاليات حملة "لنحيى بالصلاة" على المحاضرات والندوات فحسب، بل تشمل طبع كتب تشرح صفة الصلاة، وأهميتها في حياة المسلم ونشرها، وإنشاء موقع إلكتروني لإعلان فعاليات الحملة، ونشر ما كتب في أهمية الصلاة، وإعداد برامج إذاعية وأخرى تلفازية. يروي الكاتب عبد الله يلديز، وهو من أصحاب هذه الفكرة، كيف بدأت الحملة، قائلا إنه ألف كتاب "الصلاة من مظاهر التوحيد"، وطبع الكتاب في عام 1991م، ثم اجتمع هو وعدد من الكتاب الذين ألفوا كتبا في أهمية الصلاة، وتناقشوا الموضوع فيما بينهم، وتوصلوا إلى أن الكتابة في أهمية الصلاة لا تكفي، ولابد من حملة عملية، وأعلنوا في 19 أغسطس 2006م، ببيان يحمل تواقيع مائة مثقف انطلاق حملة "لنحيى بالصلاة". يقول يلديز إن دراسة في عدد المصلين تشير إلى أن 25% فقط من المواطنين يصلون الصلوات الخمس، وأما الباقي، أي 75%، فقالوا بأنهم لا يصلونها. ويعلق يلديز على هذه النتيجة قائلا: "هذا يعني أن هناك مرض يمكن تسميته "مرض عدم أداء الصلاة"، بالإضافة إلى أن المصلين للصلوات الخمس بعضهم، لا يؤديها كما ينبغي، ولا يشعر بالخشوع في صلاته". وضع القائمون على الحملة أمامهم ثلاثة أهداف: الأول، أن يحثوا غير المصلين إلى اكتشاف محاسن الصلاة وأداء الصلوات الخمس، والثاني، أن يشرحوا للمصلين كيف يمكنهم أداء الصلوات بالخشوع، وأما الثالث، فأن يجعلوا الصلاة أساسا في عملية بناء المجتمع الخالي من الفحشاء والمنكر. ومنذ انطلاق الحملة، أي خلال ستة أشهر، شرح متطوعو الحملة أهمية الصلاة لحوالي مائة ألف شخص في ندوات ومحاضرات، كما تم توزيع 500 ألف نسخة من كتاب "الانبعاث بالصلاة"، وزار موقع الحملة في الإنترنت حوالي 2.5 مليون زائر، ووصلت رسالة الحملة إلى الملايين عبر البرامج الإذاعية والتلفزيونية. "الصلاة وسيلة للرحمة، ووسيلة للنصرة، ووسيلة للوحدة".. هكذا يقول القائمون على حملة "لنحيى بالصلاة"، ويرون أن الحملة وحدت الإسلاميين حول غاية سامية، وهي بهذا تعتبر من أنجح أعمال الإسلاميين في تركيا؛ ولعل السر في نجاحها، بعدها عن الأهداف الحزبية، إذ يصفها مؤسسوها بـ"حملة الصلاة للصلاة"، أي لا لهدف سياسي ولا حركي ولا غيره، كما يرى آخرون أن التجربة التركية "الناجحة"، ترتكز على مثل هذه الأعمال المخلصة التي تشكل البنية التحتية للعمل الإسلامي الشامل. وكالات |