هروب أهل غزة من حماس وفتح فر من غزة أكثر من 12 ألفا هرباً من أشقياء القطاع الذين يتقاتلون على السلطة، والذين أحالوا هذه الأرض الضيقة، 360 كيلومتراً مربعاً، جحيما في حق مليون ونصف مليون انسان. وجعلوا أهلها فقراء بائسين خائفين. فر مَنْ فر بعد ان ساءت الاوضاع أمنيا واقتصاديا، ولولا ان المعابر مغلقة في معظم الاوقات والمخيمات مكتظة بغيرهم لربما ترك كل الأهالي غزة لـ«زعران» فتح وحماس ينعمون بها معاً. أليست هذه اقصى عبارات الاحتجاج ان يترك البلدَ اهلُه؟ مرت على الناس سنوات خمس صعبة بين نار حماس التي تتدخل في حياة الناس الخاصة وميلشيات فتح التي أفقرت الاقتصاد البسيط المحلي بسبب الجباية والإتاوات القسرية. وأخيرا أطبق الفريقان على الاهالي بالحواجز والاختطافات والاقتتال. المفارقة ان القطاع الشريط تحديدا، دون غيره من بقية الاراضي المحتلة، كان يظن انه سيكون المكان المحظوظ. عليه رفع العلم الفلسطيني، وفيه نودي بالاستقلال، وقدم ليكون نموذجَ اقليمٍ للدولة المحررة. لكن سرعان ما أفشل اهل الحكم الحلم وقضوا عليه وصار القطاع اكثر النقاط الفلسطينية فشلا ودماراً. غزة الوحيدة التي مرت بالمرحلتين، التحرير السلمي وطرد المحتل بالقوة. منذ 13 سنة حظيت غزة، مع اريحا، بحق التحرير الجزئي في اتفاق اوسلو. وبدأ الفلسطينيون من القطاع نشاطا يثير الاعجاب ببناء المطار والميناء والمؤسسات الحكومية، وسارت الامور لولا سلسلة فوضى ومعارك على جبهة العدو وجبهة الأهل. وجاء الخبر السعيد عندما قرر الاسرائيليون ان ينسحبوا من غزة لأنها باتت شوكة في الحلق، وربما توقعوا انها لن تستريح في ظل القيادات المحلية، فحزموا امتعتهم ورحلوا ودمروا مستوطناتهم ومواقعهم العسكرية والأمنية وصارت غزة اول منطقة فلسطينية محررة بالكامل. ولم تدم الفرحة، ففي اول يوم بعد الانسحاب الاسرائيلي نشب اقتتال بين حماس وفتح، ولم يتوقف. واستمرت ثلاجات الموتى في المستشفيات تستقبل الضحايا، برصاص الإخوة لا الاعداء. كان المتوقع ان تترك غزة للبناء والتعاون وتعتبر منطقة مسالمة وربما محايدة بين الفصائل والتنظيمات. كان الأمل ان يبنوا المدينة وبقية القطاع، ويثبتوا للعالم انهم اهل للحكم والأرض، ويستحقوا ثقة مواطنيهم الذين ضحوا بأبنائهم من اجل تحرير الارض لا من اجل خدمة مسؤولي حماس وفتح والكراسي. لقد بقي أمام المتقاتلين ان يقرروا إما ان يحتكموا الى مواطنيهم لحسم الخلاف بينهم وإما يغادر الاهالي كل غزة حتى آخر رجل وطفل. لقد اصبحت غزة منظرا مخجلا ومفزعا يثير الحسرة والأسى. [email protected] *عن الشرق الاوسط |