الإرهاب.. المعنى والممارسة تحدثنا في مقال سابق عن جذور الإرهاب المتأسلم وكيف أنه استند إلي الخلط المتعمد بين الدين المقدس وبين المصالح السياسية والرؤي الشخصية التي تحتمل الصحة والخطأ. والحقيقة أن التجربة المصرية في زماننا المعاصر قد أكدت أن تسييس الدين, أي استخدام الدين لخدمة مصالح جماعة سياسية كان كارثة ولم يزل. وهو كارثة علي الدين وكارثة علي السياسة معا. ونجد أن جماعة الإخوان المسلمين هي أول من ارتكب هذا الفعل ولم تزل. فقد اتخذت من الدين ستارا لكل قول, وكل فعل حتي ولو كان بعيدا عن متطلبات الدين أو عن العلاقة به. فعندما كان الملك فاروق يستعد لإقالة النحاس باشا وخرج الوفديون هاتفين النحاس أو الثورة أخرج حسن البنا رجاله إلي الشارع مدافعين عن الملك هاتفين الله مع الملك, والأمثلة عديدة أكثر من أن تحصي, وهي تشير إلي تمادي الجماعة في طلاء تصرفاتها حتي المنافية للدين بطلاء ديني, كذلك كانت الشعارات القرآن دستورنا.. والرسول زعيمنا وأخيرا شعار الإسلام هو الحل, وكذلك كان الترويع لكل المواطنين, والترويع العام هو بداية الإرهاب, أو هو الإرهاب نفسه. ومنذ وقت مبكر أتي هذا الترويع الإرهابي, ونقرأ في العدد الأول لمجلة النذير رسالة يوجهها الشيخ عبدالرحمن الساعاتي( والد المرشد العام الأول الأستاذ حسن البنا) إلي كوادر الإخوان استعدوا يا جنود, وليأخذ كل منكم أهبته ويعد سلاحه, وصفوا لهذه الأمة الدواء, فكم علي ضفاف النيل من قلب يعاني وجسم عليل, واعكفوا علي إعداده في صيدليتكم, ولتقم علي إعطائه فرقة الإنقاذ منكم, فإن الأمة أبت فأوثقوا يديها بالقيود واثقلوا ظهرها بالحديد, وجرعوها الدواء بالقوة, وإن وجدتم في جسمها عضوا خبيثا فاقطعوه, أو سرطانا خطيرا فأزيلوه, فكثير من أبناء هذا الشعب في آذانهم وقر وفي عيونهم عمي( النذير ـ العدد الأول ـ أول المحرم1357 هـ). وينبع من مثل هذه الخطة التي تبث الخوف في صفوف المجتمع, فكرة أخري هي المفاضلة عن المجتمع والتمايز عنه باعتبار أن الأخوان الأقرب إلي الله, ومن ثم فهم الأقوي سندا والأفضل مآلا.., وهو ما يسمي في الفقه الإخواني بالاستعلاء بالإيمان, وفي رسالة التعاليم يحدد الأستاذ حسن البنا38 واجبا يتعين علي الأخ المجاهد الالتزام بها, الواجب25 منها هو أن تقاطع المحاكم الأهلية, وكل قضاء غير إسلامي, وأن تقاطع الأندية والصحف والجماعات والمدارس والهيئات التي تناهض فكرتك الإسلامية مقاطعة تامة( حسن البنا ـ رسالة التعاليم ـ ص13). وتتماهي هذه الفكرة أو بالدقة تتمادي لتتحول إلي فعل إرهابي متكامل الأركان وتتوالي الأعمال الإرهابية التي تبرر أحيانا, ثم تتمادي أكثر لتصبح حالة من التباهي بالإرهاب كعمل إسلامي يستحق التمجيد. ونتوقف أمام الوثائق, كي تبتعد عن شبهة الانحياز. فهم قتلوا بعضهم البعض.. أي فزع أكثر من هذا؟ لكن المؤرخ المعتمد من الجماعة لكتابة تاريخها الأستاذ محمود عبدالحليم كتب يقول إن عبدالرحمن السندي( الرئيس السابق للجهاز السري) قد دبر جريمة قتل الأخ سيد فايز( نائب رئيس الجهاز السري) وقد ثبت ثبوتا قاطعا أن هذه الجريمة الأثيمة كانت بتدبير السندي( محمود عبدالحليم ـ الأخوان المسلمون, أحداث صنعت التاريخ ـ جزء3 ـ ص205). والترويع يوجه من الجماعة كشخص معنوي لكل عضو فيها.. فأحد قادة الجماعة يكشف لنا صراحة( وهذا مثير للدهشة) عن لائحة الجهاز الخاص: م13 أن أية خيانة, أو إفشاء سر بحسن قصد أو بسوء قصد يعرض صاحبه للإعدام مهما كانت منزلته( محمود الصباغ ـ حقيقة النظام الخاص ـ ص132). ثم يأتي ترويع المجتمع ككل ونقرأ في الكتاب نفسه إن أعضاء الجهاز( يقصد الجهاز السري) يمتلكون ـ دون إذن من أحد ـ الحق في اغتيال من يشاؤون من خصومهم السياسيين, فكلهم قارئ لسنة رسول الله في إباحة اغتيال أعداء الله( ص459)( ونلاحظ أن خصومهم السياسيين يعتبرون أعداء الله). بل ويتمادي هذا المنطق المخيف ليسيء إلي الإسلام نفسه ويشوه صورته فيقول إن قتل أعداء الله غيلة هو من شرائع الإسلام, ومن خدع الحرب أن يضلل المجاهد عدو الله بالكلام حتي يتمكن منه فيقتله( ص138). وفي قضية سيارة الجيب الشهيرة(1948) عثر الأمن علي ورقة تعليمات صادرة من قيادة الجهاز الخاص للأعضاء تقول إن كل من يحاول مناوئتنا أو الوقوف في سبيلنا مهدر دمه. وقاتله مثاب علي فعله, وأن من سياستنا أن الإسلام يتجاوز عن قتل المسلمين إذا كان في ذلك مصلحة( عصام حسونة ـ23 يوليو وعبدالناصر ص46 ـ وكان المؤلف هو وكيل النيابة المحقق في هذه القضية). ونمضي سريعا مع فكر الجماعة, إذ يزداد تطرفا وعنفا علي يد الأستاذ سيد قطب, ونقرأ في معالم علي الطريق أن الناس ليسوا مسلمين كما يدعون وهم يحيون حياة الجاهلية, ليس هذا إسلاما, وليس هؤلاء مسلمين, والدعوة إنما تقوم لترد هؤلاء الجاهلين إلي الإسلام, ولنجعل منهم مسلمين من جديد( معالم في الطريق ـ ص173) وهو يرفض فكرة الشعب والوطن والحزب رأي رابطة سوي رابطة الدين لا رابطة سوي العقيدة, ولا قبول لرابطة الجنس والأرض واللون واللغة والوطن والمصالح الأرضية والحدود الإقليمية, إن هي إلا أصنام تعبد من دون الله( ص58).. والآن هل نفهم لماذا قال المرشد الحالي طظ في مصر؟ وقطب يكفر الحاكم والمحكوم وكل من لم ينضم إلي جماعته, فالجميع ليسوا مسلمين حتي ولو شهدت لهم شهادات الميلاد بأنهم مسلمون, فإذا دخل في هذا الذين عصبة من الناس فهذه العصبة هي التي يطلق عليها المجتمع المسلم( ص40) ويحاول الإخوان أن يلعبوا كعادتهم لعبة مزدوجة تجاور بين الرفض لأفكار سيد قطب والقبول بها معا, ويفتح باب الاختيار بين الموقفين وفق الظروف ومتغيراتها, فالمرشد العام المستشار حسن الهضيبي عارض كتاب سيد قطب بكتاب سماه دعاة لا قضاة, لكن المثير للدهشة أن زعيمة إخوانية مرموقة هي السيدة زينب الغزالي تقول إن فضيلة المرشد قرأ كتاب المعالم وأعاد قراءته قبل طبعه ووافق عليه( زينب الغزالي ـ أيام من حياتي ـ ص36), والأستاذ صلاح شادي القائد الإخواني الشهير أصدر كتابا بعنوان الشهيدان حسن البنا وسيد قطب قال فيه إن البنا هو البذرة الصالحة للدعوة وقطب هو الثمرة الناضجة( صلاح شادي ـ الشهيدان حسن البنا وسيد قطب ـ ص37), ومن يعرف قيمة البنا عن الإخوان والفارق بين البذرة والثمرة الناضجة يعرف قيمة سيد قطب عندهم. ومن عباءة قطب التي أغلب من سمعنا عنهم من إرهابيين حتي إن تسمية القطبيين أصبحت تشمل الإرهابيين علي امتداد المساحة من باكستان حتي الجزائر, وكان نصيب مصر منها هو ما عانينا منه. ويبقي أن نستعيد ما ارتكبته حماس في قطاع غزة لنتعرف علي النتائج المأساوية للخلط بين الدين والسياسة, واتخاذ الدين المقدس الكامل الصحة ستارا لجرائم ما أنزل الله بها من سلطان. *نقلا عن جريدة "الأهرام" المصرية |