ليس صدفة؟! ربما تقود الصدفة شخصاً إلى صديق عزيز غائب، أو إلى اكتشاف شيء أو تقود فريقاً إلى مواجهة فريق، لكن الصدفة لا تفعل فعلها في الأحداث المتصلة بقضايا سياسية ووطنية على درجة كبيرة من الأهمية والخطورة. أقول ذلك بسذاجة وعفوية وبساطة انطلاق ثلاثة أحداث متوالية تجمعها نعرات وعصبيات وإن اختلفت في أشخاصها إلا أنها تثير تساؤلات عديدة وشكوكاً بشأن دوافعها ومحرضيها وأهدافها. الحدث الأول تمثل في تلك الفتنة القائمة على أبعاد مذهبية وسلالية والتي كان مبتدأها الموت «لأمريكا وإسرائيل» والعزف على وتر التضييق الفكري والتهميش التنموي والخدمي، وجاء خبرها كاشفا دوافع داخلية وأصابع خارجية لها أجندتها وحساباتها التي أرادت تصفيتها داخل الساحة اليمنية وعلى حساب استقرار وأمن الوطن وثوابته ونظامه الجمهوري. ولا شك أن تلك الفتنة كانت أشد من القتل وكلفت الكثير من الأرواح البريئة التي أزهقت والخسائر المادية والهواجس والمخاوف التي أثرت على مناخات الاقتصاد والاستثمار واستقرار الحياة التجارية والسلبية. وطبعاً الآونة الأخيرة تقربنا أكثر من استيضاح ملامح الصورة وتراجيديا هذه الأحداث التي لا يمكن أن تجمعها الصدفة، فعندما بدأت تلوح في الأفق بوادر إنهاء تلك الفتنة ذات البعد المذهبي سواء عبر الحسم على الأرض أو الحوار استناداً إلى مساع حميدة تكللت حتى الآن بنجاح كبير، لنقول جميعاً كفى الله المؤمنين القتال، إذا بذلك التلاقح الممزوج بمصالح فئوية وشخصية مدفوعة برغبات وأجندة خارجية تفتح بؤرة جديدة لتأزيم الأوضاع وإحداث بلبلة وضجيج آخر ينطلق صوته القبيح من وتر الدعوات المناطقية التي لم تصوب سهامها هذه المرة باتجاه النظام الجمهوري وإنما كان ثأرها مع الوحدة الوطنية وكأنها خلايا نائمة كانت تتحين الفرصة للانقضاض على مشروع وطني عظيم، وبالطبع لم يكن هؤلاء الذين يققون وراء هذه الفتنة الجديدة ذات البعد المناطقي لتقدم النغمة والشعارات التي تطلقها والتي عمدت فيها إلى خلط واستغلال أي مطالب قانونية ومدنية مشروعة ومزجها بالثوابت الوطنية التي لا يجوز المساس بها. وجاء الحدث الثالث الذي لم يترك أي مجال «للصدفة» في كل ذلك متأبطاً أبعاد العصبية القبلية التي تنظر هي الأخرى إلى مصالحها الضيقة الأنانية والتي لا تلتقي مع المصالح الوطنية إلا في حالة واحدة وهي أن تكون الثانية مسخرة للأولى. فالبحث عن كيانات جديدة تؤطر مصالح المتنفذين والفاسدين عبر اسطوانات مشروخة لا يمكن أن تنطلي مراميها على أحد، ولا يمكن لعاقل أن يصدق أن نحو نصف قرن من التحولات الثورية والجمهورية والوحدوية والديمقراطية والتي كانت بالنسبة لهؤلاء عبارة عن «كعكة» لهم فيها نصيب الأسد، ثم فجأة يتحولون بقدرة قادر إلى مناضلين ضد الفساد والمحسوبية والرشوة وغلاء المعيشة.. والأغرب أن يطلقوا هذه الشعارات في منبر هو في الأساس انقلاب على كل التحولات الديمقراطية والمجتمع المدني والعودة إلى التمترس القبلي.. فهل كل ذلك صدفة؟؟!! *نقلاً عن الثورة |