دراسة: لا علاقة بين النوم والشيخوخة يعرف كل باحث في قضايا النوم أن افضل سبيل للاستماع الى الشكاوى المتعلقة بالنوم هو التوجه بالأسئلة الى المسنين. وقال الدكتور مايكل فيتيلو، الباحث في قضايا النوم وبرفسور الطب النفسي والعلوم السلوكية في جامعة واشنطن، ان «المسنين يشكون اكثر من غيرهم من مشاكل في النوم». وطوال سنوات، كان العلماء الأخصائيون في قضايا النوم يعتقدون انهم على معرفة بما يجري: النوم يبدأ بالتدهور في اواخر العمر المتوسط ويتآكل على نحو ثابت منذ ذلك الحين. غير أن بحثا جديدا، في الوقت الحالي، يقود كثيرين الى تغيير آرائهم. ومما يثير دهشة الباحثين ان الامر انتهى الى ان النوم لا يتغير كثيرا من عمر 60 فما فوق. واتضح أن النوم القليل ليس بسبب الشيخوخة نفسها، وانما في معظم الأحيان، بسبب الأمراض أو الأدوية المستعملة لعلاجها. وقالت سونيا أنكولي اسرائيل، أستاذة الطب النفسي والباحثة في قضايا النوم في جامعة كاليفورنيا في سان دييغو، انه «كلما كثرت الاضطرابات لدى الكبار ساء نومهم. واذا ما نظرت الى الكبار الذين يتمتعون بصحة جيدة لوجدت انهم نادرا ما يعانون من مشاكل نوم». وتشير دراسات جديدة الى ان النوم القليل قد يعود ليؤدي الى صحة غير سليمة. وعندما يتعلق الامر بالألم على الاقل، وهو سبب شائع للنوم القلق، فان ليلة ارق يمكن أن تجعل الألم أسوأ في اليوم التالي. ويسبب تزايد الالم نوما اكثر مشقة، وهي حلقة مفرغة شائعة لدى الناس الذين يواجهون أوضاعا صعبة لدى المسنين مثل آلام الظهر والتهاب المفاصل. والرأي الجديد بشأن النوم انطلق من اتجاهين متوازيين في البحث. الأول سأل عما يحدث لأنماط النوم عندما يتقدم الناس في العمر. والثاني سعى الى الكشف عن العلاقة بين النوم والألم. ومن أجل معرفة ما يحدث ارتباطا بالشيخوخة، درس بعض الباحثين، وبينهم الدكتور فيتيلو، اشخاصا مسنين افادوا بأنهم لا يعانون من مشاكل في النوم. وهم يشكلون، في الواقع، مجموعة كبيرة، ما يقرب من نصف الناس في العمر الذي يتجاوز 56 عاما. هل تجاوز هؤلاء الأشخاص بمعنى ما التغيرات المرتبطة بالعمر في النوم؟ الأمر ليس كذلك. فقد بات نومهم مختلفا عن النوم لدى الشباب. فقد كان أخف وغالبا ما تتقطع بحالات استيقاظ وجيزة، وأقصر بما يتراوح بين ساعة ونصف الساعة. ورأى الدكتور فيتيلو ان التغيرات المرتبطة بالعمر في انماط النوم ليس قضية بحد ذاتها. فهناك شيء ما آخر يجعل الناس يشتكون بشأن نومهم. كما سأل الدكتور فيتيلو وزملاؤه عما يحدث للنوم خلال فترة الحياة. فقد عرف منذ زمن بعيد ان النوم يتغير ولكن ما من احد درس مواعيد ظهور هذه التغيرات وما هو مستواها لدى الأشخاص الأصحاء. وبتحليل 65 دراسة متعلقة بالنوم، شملت 3577 شخصا من الأصحاء ممن تتراوح اعمارهم بين 5 الى 102 سنة، كانت النتائج مفاجئة. فقد ظهرت معظم التغيرات في انماط النوم عندما كان الناس بين العشرين والستين من العمر. وبالمقارنة مع المراهقين والشباب فان متوسطي العمر والكبار الأصحاء كانوا ينامون اقل بنصف ساعة كل ليلة، وهم يستيقظون اكثر قليلا خلال الليل، وكان نومهم اخف. ولكن بعد عمر الستين لم يكن هناك تغير كبير في النوم، على الأقل لدى الأشخاص الأصحاء. وعلى الرغم من ان النوم تغير خلال فترة الرشد فان الكثير من التغيرات كانت طفيفة. فمتوسطو العمر والكبار، على سبيل المثال، لم يواجهوا صعوبة اكبر في الاخلاد الى النوم. والتغير الوحيد في امكانية النوم ظهر عندما قارن الباحثون الامكانية في عمر العشرين وعمر الثمانين. فالذين تبلغ اعمارهم 80 عاما كانوا يحتاجون الى ما معدله 10 دقائق اكثر لغرض الاخلاد الى النوم. على العكس من تصوراتهم، لم يعثر الباحثون على زيادة في نسبة النعاس خلال ساعات اليوم بين المسنين الذين يتمتعون بصحة جيدة. كما ان كبر السن لم يؤثر على الوقت الذي يستغرقه الشخص للحلم بعد بداية النوم. إلا ان اكبر تغيير كان في عدد المرات التي يستيقظون فيها بعد ان يكونوا قد خلدوا الى النوم. يقول الدكتور دونالد بليويز، الباحث في قضايا النوم بجامعة ايموري، ان الشباب الذين يتمتعون بصحة جيدة ينامون 95 بالمائة من الليل، وأضاف قائلا انهم ينامون ولا يستيقظون إلا بعد ان يدق جهاز التنبيه لإيقاظهم صباحا. وبنهاية سن الـ60 يكون الشخص قد نام 85 بالمائة من الليل، ولا يستيقظ الا لفترات قصيرة تتراوح بين 3 و10 ثوان. ويقول الدكتور بيلويز ان هناك جانبا في النوم لا يكون جيدا مقارنة بالنوم عندما يكون الشخص في سن الـ20 عاما. ويقول ايضا ان المشاكل الحقيقية للنوم تظهر عندما يتعرض الشخص لأي من الحالات التي تضطرهم الى الاستيقاظ ليلا مثل الأرق والألم المزمن وآلام الساقين او مشاكل التبول. وهذه مشاكل يعاني منها كثيرون عندما يتقدم بهم العمر. يضيف الدكتور بيلويز قائلا ان عدة مشاكل تواجه كثيرين في التمتع بساعات نوم جيدة لدى الاشخاص كبار السن. وهنا، كما يقول بيلويز، يبرز السؤال حول ما هو الوضع المألوف في هذه الحالة وما الذي يجب ان يتوقعه الشخص؟ الإجابة على هذا السؤال تتلخص في ان حدود ما يمكن توقعه وما يجب عمله تكمن في نتائج الدراسات التي اجريت في مجال العلاقة بين النوم والألم. ليس غريبا ان يقلق الألم نوم الشخص، إلا ان الجديد في هذا الشأن هو ان النوم لساعات غير كافية يمكن ان يتسبب في زيادة الشعور بالألم، وهي النتيجة التي توصل اليها مايكل سميث، مدير قسم متخصص في أبحاث النوم تابع لكلية الطب بجامعة جونز هوبكنز. وكان سميث قد أجرى بحثا على عدد من الشباب الأصحاء تبين له ان مجموعة منهم كانت تنام بصورة عادية لمدة ثماني ساعات، وكان يتم ايقاظ أفراد مجموعة اخرى كل ساعة خلال النوم لمدة عشرين دقيقة لكي تكون طريقة نومهم اقرب الى حالة النوم المتقطع التي يعاني منها الأشخاص الكبار في السن، فيما سمح للمجموعة الثالثة بالنوم لمدة اربع ساعات كاملة. وبالمقارنة بين نمط النوم لدى المجموعتين الثانية والثالثة تمكن سميث من التمييز بين مسببات المشاكل التي تظهر نتيجة النوم غير المنتظم وما اذا كانت تعود الى نقص ساعات النوم ام الطبيعة المتقطعة للنوم. وتوصل الى ان النوم المتقطع تسبب في ازدياد كبير في الشعور بالألم خلال اليوم التالي. وكان الشعور بالألم لدى هؤلاء سهلا وكانوا اقل قدرة على التغلب على الألم، بل ظهرت لدى بعضهم حالات ألم مثل الصداع وآلام الظهر. وتوصل تيموثي روهرز، الذي يدير مركزا لأبحاث مشاكل النوم بمستشفى هنري فورد في ديترويت، ان الشباب الأصحاء ايضا يصبحون اكثر حساسية تجاه الألم بعد أي ليلة يعانون خلالها من النوم المتقطع. وتوصل روهرز ايضا الى ان النوم لساعات اطول يؤدي الى العكس. وأجرى بالفعل بحثا على عدد من الشباب الأصحاء المعتادين على النوم لساعات طويلة لكنهم لا يجدون وقتا كافيا للنوم ليلا. بعد نوم هؤلاء لمدة عشر ساعات، خلال فترة إجراء البحث، تبين ان حساسيتهم تجاه الألم تراجعت الى نفس درجة قرص الكودايين. ويقول الدكتور سميث انه وآخرين قد عدلوا عن مواقفهم إزاء مشاكل النوم والشيخوخة. وقال سميث ان النوم عندما يكون الشخص في سن الـ20 عاما يختلف تماما عندما يصل عمره الى 70، وأشار الى انه من غير المألوف ان يصاب الشخص باضطراب النوم عندما تتقدم به السن. * صحيفة الشرق الاوسط |