دعونا نناقشها فهذا ما يريده الرئيس أعطى الدستور لرئيس الجمهورية الحق في اقتراح إجراء تعديلات عليه إذا تطلب الأمر ذلك وإحالتها مباشرة إلى مجلس النواب لمناقشتها واتخاذ الإجراءات الدستورية بشأنها.. ومنذ فوز الرئيس علي عبدالله صالح في الانتخابات الرئاسية كان الجميع يعلمون أن البلاد مقدمة على إجراء تعديل دستوري وفق ما تضمنه برنامج الرئيس كمرشح للمؤتمر الشعبي العام، وبعد عام من تلك الانتخابات أعلن الرئيس مبادرة للتعديلات الدستورية متطورة عما جاء في برنامجه الانتخابي وذلك من حقه ولاشك كرئيس للبلاد، وهو في الوقت ذاته طرحها كرؤية اجتهادية قابلة للأخذ والرد والحوار حولها وبالذات من الأحزاب السياسية، وهذا يعني أن الرجل لم يكن يريد أن يجعلها مبادرة ملزمة لأحد وإلا فإنه كان سيحيلها مباشرة إلى مجلس النواب الذي يمتلك حزبه فيه الأغلبية المطلوبة لإقرارها وطرحها من ثم على الشعب للاستفتاء عليها. من الواضح إذاً أن الرئيس طرح رؤيته للتعديلات الدستورية وفق معطيات توصل إليها كنتاج لخبرته الطويلة في الحكم ثم طرحها للحوار أمام القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني... والحوار هنا يعني أن يتعاطى معها المتحاورون بمسؤولية فقد يكون في المبادرة ما هو سابق لأوانه وقد يكون فيها ما يحتاج لمزيد من التطوير وقد يكون فيها ما يحتاج لمزيد من الضوابط وهكذا، وفي ظني أن هذا جوهر ما يريده الرئيس... ولذلك فإني أتمنى على الندوات التي بدأت تتفاعل وتتوالى عبر الجامعات والمؤسسات المختلفة ألا تتعامل مع المبادرة بروح المجاملة وتسجيل المواقف والترويج الزائد عن الحاجة الذي يفقد الشيء قيمته في العادة من كثرة التكرار خاصة عندما يبتعد عن القراءة والمناقشة المنهجية العلمية والموضوعية والواقعية والتاريخية بل والسننية... ويقيني أن الرئيس سيتلقف بالتقدير والاحترام كل رأي منهجي وموضوعي حول نقاط المبادرة وسيكون ممتنا لكل من سيصوب بندا من بنودها بقصد المصلحة العامة طبعا وليس المكايدة. < القاضي علي أبوالرجال.. أتذكر جيدا عندما كنت أذهب برفقة خالي للعمل خلال العطلة الصيفية في وزارة الأشغال أواسط سبعينيات القرن الماضي أني كنت أقف مندهشا أمام الغرفة المخصصة في مبنى الوزارة لإرشيف صحيفة الثورة منذ عددها الأول، وهو الإرشيف الذي كان يتم عمله يوميا بجهد شخصي من وكيل الوزارة آنذاك القاضي علي أبوالرجال... وتوالت الأيام وتولى القاضي – حفظه الله – أكثر من عمل حكومي لكن هوايته المتأصلة في جمع الوثائق وحرصه العميق على الحفاظ عليها لم يتغيرا حتى عاد مع مرور الأيام إلى ذات المبنى وقد أصبح جزءا من مكتب رئاسة الجمهورية ليتولى بصورة مباشرة إنشاء وتأسيس أول مركز وطني للوثائق في بلادنا بإمكانيات محدودة تطورت مع الوقت ونالت إعجاب المهتمين والمعنيين وكثير من الدول المانحة... ومن الصفر ومن لا شيء وبصمت وهدوء وتفان نادر من قبل رجل نادر مثله أصبح اليوم لدينا مؤسسة توثيقية لتاريخ اليمن ودوله المتعاقبة في القرن العشرين تحديدا بل ووثائق أكثر قدما... هذه الخواطر لاحت لي وأنا أشهد حفلا بسيطا في فقراته مهيبا بشخص من تم تكريمه فيه يوم الإثنين الماضي عندما قام سفير فرنسا في اليمن بتقليد الوالد القاضي علي أبوالرجال وسام الفنون والآداب بمرتبة (فارس) الذي منحته له الحكومة الفرنسية تقديرا لجهوده الكبيرة في مجال التوثيق... ولا داعي لفتح الشريط المعتاد عن أن هذا التكريم كان ينبغي أن يتم من حكوماتنا المتعاقبة، فالرجال الكبار والعظماء والمخلصون والصادقون – أمثال هذا الرجل – مكانتهم في قلوب الناس وتقدير جهودهم ومحبتهم تأتي من الناس، وهو أعظم وسام. *26 سبتمبر |