الأربعاء, 27-نوفمبر-2024 الساعة: 05:47 ص - آخر تحديث: 01:42 ص (42: 10) بتوقيت غرينتش      بحث متقدم
إقرأ في المؤتمر نت
30 نوفمبر.. عنوان الكرامة والوحدة
صادق‮ ‬بن‮ ‬أمين‮ ‬أبوراس - رئيس‮ ‬المؤتمر‮ ‬الشعبي‮ ‬العام
ذكرى الاستقلال.. وكسر معادلات الطغيان
قاسم‮ محمد ‬لبوزة‮*
الذكرى السنوية للاستقلال الوطني من الاحتلال البريطاني البغيض
أ.د عبدالعزيز صالح بن حبتور
ثورة الـ "14" من أكتوبر عنوان السيادة والاستقلال والوحدة
بقلم/ يحيى علي الراعي*
زخم الثورة وحاجته لسلوكٍ ثوري
إياد فاضل*
خواطر في ذكرى تأسيس الموتمر الشعبي العام
د. أبو بكر عبدالله القربي
المؤتمر الشعبي رائد البناء والتنمية والوحدة
عبدالسلام الدباء*
شجون وطنية ومؤتمرية في ذكرى التأسيس
أحمد الكحلاني*
ليبارك الله المؤتمر
راسل القرشي
ميلاد وطن
نبيل سلام الحمادي*
رؤية وطنية تلبّي احتياجات الشعب
أحلام البريهي*
المؤتمر.. حضور وشعبية
أحمد العشاري*
دين
د. يوسف القرضاوي -
المسلمون واستشراف المستقبل
واجب دعاة الإسلام أن يخرجوا بالمسلم من التقوقع على الماضي، والانكفاء على التراث، ليتطلع إلى المستقبل، ويستشرف آفاقه.

وقد أصبح تحرك الناس إلى المستقبل في عصرنا سريعا حثيث الخطى، حتى لا يكاد الإنسان يصدق ما يحدث من تغير هائل في الماديات والمعنويات، بسرعة مذهلة، نتيجة للثورات العلمية التي فرضت نفسها على العالم: الثورة الإلكترونية، والثورة البيولوجية، والثورة النووية، والثورة الفضائية، وثورة الاتصالات، وثورة المعلومات، ومنطق الإسلام في قرآنه وسنته يفرض علينا أن نوجه اهتمامنا إلى المستقبل، ولا نعيش أسرى الماضي.

فالمتدبر للقرآن الكريم يجده منذ العهد المكي يوجه أنظار المسلمين إلى الغد المأمول، والمستقبل المرتجى، ويبين لهم أن الفلك يتحرك، والعالم يتغير، والأحوال تتحول، فالمهزوم قد ينتصر، والمنتصر قد ينهزم، والضعيف قد يقوى، والقوي قد يضعف، والدوائر تدور، سواء كان ذلك على المستوى المحلي أم العالمي، وفقا لسنة (التداول) التي أشار إليها القرآن بقوله تعالى: “وتلك الأيام نداولها بين الناس”، وعلى المسلمين أن يهيئوا أنفسهم، ويرتبوا بيتهم، لما يتمخض عنه الغد القريب أو البعيد، فكل آت قريب.

صراع الفرس والروم

وعلى المستوى العالمي نجد آيات الكتاب العزيز تتحدث عن ذلك الصراع التاريخي بين الدولتين العظميين: فارس والروم وقد كان صراعا اهتم له الفريقان في مكة: المسلمون والمشركون فتبشر الآيات الجماعة المؤمنة بأن المستقبل للروم من أهل الكتاب، على الفرس المجوس عباد النار، وأنهم وان غلبوا اليوم سيغلبون في بضع سنين، وفي هذا تقول السورة جازمةً (الم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم).

وهذه الآيات الكريمة من كتاب الله تعالى تدلنا على أمرين:

1 - مدى وعي المجموعة المسلمة على قلتها وضعفها المادي بأحداث العالم الكبرى، وصراع العمالقة من حولها، وأثره عليها إيجابا وسلبا، فلا ينبغي أن يذهلهم الواقع المحلي عما يجري في عالمهم الكبير، فإنهم جزء لا يتجزأ منه.

2 - تسجيل القرآن لهذه الأحداث، وتوجيه النظر إلى عوامل المتغير، والانتقال من الواقع إلى المتوقع في ضوء السنن.

والعبرة من هذا: ألا يعيش المسلمون في هموم يومهم، ومشكلات حاضرهم، غافلين عن إمكانات المستقبل، وآفاقه المرتقبة، وإرهاصاته، ومبشراته أو نذره، فيفاجأوا بما لم يكن في حسبانهم، ولم يخطر في بالهم.

الرسول والمستقبل

والقارئ المتأمل لسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبين له انه لم يكن غافلا عن مستقبل دعوته، بل كان يفكر فيه، ويخطط له، وفي حدود ما هيأ الله له من فرص، وما آتاه من أدوات وأسباب.

ويكفي أن نقرأ عن جهده ونشاطه صلى الله عليه وسلم، في مواسم الحج التي تجمع ممثلين من جميع قبائل العرب، وكيف كان عليه الصلاة والسلام يعرض دعوته عليهم، ويطلب نصرتهم، ويعدهم بوراثة ملك كسرى وقيصر لنعلم إلى أي أفق كان يرنو بصره صلى الله عليه وسلم.

وكان الرسول الكريم مؤمنا بمبدأين أساسيين:

الأول: أن هذا الواقع لابد أن يزول، لأنه يحمل عوامل زواله، وان البديل له هو الإسلام، وان ليل الجاهلية الحالك والجاثم سيعقبه فجر صادق، وما على المؤمنين إلا أن يصمدوا ويصبروا ولا يستعجلوا الثمرة قبل أوانها.

الثاني: أن هذا المستقبل المنشود إنما يتحقق وفق سنن الله في رعاية الأسباب، وتهيئة الخطط، وإعداد المستطاع من العدة، وإزاحة العوائق من الطريق، وترك ما عدا ذلك للإرادة الإلهية.

تجد ذلك واضحا كل الوضوح في الهجرة إلى المدينة، فقد خطط لها بإحكام، قدر ما يتيسر للبشر.

فقد اختار الرسول الكريم مهجره داخل جزيرة العرب لا خارجها كالحبشة مثلا فاختار يثرب، إذ الإسلام لابد أن ينطلق من ارض العرب، فهذا هو الموقع المناسب، واختار أنصاره من العرب الخلص، الذين بايعوه على أن يمنعوه مما يمنعون منه أنفسهم وذرياتهم، فكانوا الأوس والخزرج، إذ لابد أن يكون أنصار الإسلام الأولون عربا، وقدم هجرة أصحابه على هجرته، ليكون ذلك أمكن لهم، وأليق بمقدمه بعدهم.

وهيأ للهجرة، بعد إذن الله له، الرواحل التي يمتطيها في رحلته الشاقة، والرفيق الذي يأنس إليه ويطمئن بصحبته ورأيه، فكان أبا بكر، والدليل الذي يعرف الطريق، ويؤتمن على السر، فكان عبدالله بن أريقط، وهو مشرك مأمون، والغار الذي يتوارى فيه حتى يهدأ الطلب، ويفتر الحماس، وهو غار ثور في جنوب مكة، أي في غير طريق المدينة تعمية على المشركين.

وأحاط ذلك كله بما يمكن للبشر من أخذ الحذر والكتمان، وأسباب التوقي والاحتياط.

وترك للإرادة الإلهية بعد ذلك ما لا حيلة له فيه، ولذا لم يخامره صلى الله عليه وسلم أدنى شك في أن الله ناصره.

وعندما قال أبو بكر له، وهما في الغار: يا رسول الله، لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا! قال: يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟ ونزل في ذلك قوله تعالى: “إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم”.. (التوبة - 40).

وكان من أوائل ما صنعه لإقامة المجتمع الإسلامي بالمدينة: أن بنى مسجده للصلاة وعبادة الله، ولقاء المؤمنين.

وأنشأ سوقا تجاريا، بديلا عن سوق بني قينقاع التي يتحكم فيها اليهود، وعقد معاهدة مع يهود المدينة ليتفرغ للجبهة الوثنية التي لن تدعه يشعر بالهدوء والراحة.

وبدأ يرسل السرايا حول المدينة لإثبات الوجود، وتدريب الطاقات، وتخويف الطامعين، وإرساله رسالة إلى مشركي مكة: إننا هنا.

ومما فعله صلى الله عليه وسلم، بعد الهجرة انه قال: “أحصوا لي عدد من يلفظ بالإسلام”، فأحصوا له، فكانوا ألفا وخمسمائة رجل، وفي رواية: “اكتبوا لي”.

فهو إحصاء كتابي يراد تدوينه وتثبيته، وهي خطوة تقدمية في ذلك العصر المبكر. فهو يريد بهذا الإحصاء أن يعرف مقدار (القوة الضاربة) عنده، ليرتب عليها أموره فيما بعد.

وقد تبين لنا من معارف عصرنا: أن (الإحصاء) مقدمة ضرورية لأي تخطيط علمي سليم، لمواجهة المستقبل واحتمالاته.

حضور الماضي

ومع اهتمامنا بالمستقبل، واستشرافه ومحاولة استكشافه بعين مسلمة، ورؤية مؤمنة: لا نتنكر للماضي، ولا نهيل التراب على التراث، ولا نحاول أن نقلد أولئك الذين يريدون أن ينسلخوا من ماضيهم، أو من الانتساب إلى آبائهم، إنهم يريدون أن يحذفوا (الأمس) من الزمن، أن يحذفوا (الفعل الماضي) من اللغة، ويحذفوا التاريخ من العلوم! وهذا خبل في العقل، وقصور في الرؤية، وخلل في التوازن، فالزمن ماض وحاضر ومستقبل.

والله تعالى خلق للإنسان ذاكرة تختزن الماضي، كما خلق له مخيلة تستشف المستقبل، والإنسان الذي يصاب بفقد ذاكرته يعتبر مريضا في نظر الطب وفي نظر المجتمع، ولا يستطيع أن يبني حاضره أو مستقبله إلا على أساس ماضيه.

ولهذا رأينا القرآن يذكر قصص الأولين، لنتخذ منها الدروس والعبر، كما قال تعالى: “لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب” (يوسف 111) وقال: “وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك”.. (هود 120).

كما نرى القرآن يذكر المؤمنين بما جرى لهم من أحداث ظهر فيها فضل الله عليهم: “يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم” (المائدة 11) يذكرهم بما كان من كيد بني قينقاع من اليهود.

ويقول سبحانه: “واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم وأيدكم بنصره” يذكرهم بنصر بدر بعد استضعافهم في مكة.

ويقول تعالى: “أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير” يذكرهم بما أصابهم في أحد من الانكسار بعدما أصابوا من النصر في بدر، وسبب ذلك يرجع إلى أنفسهم، وعصيانهم أمر الرسول وتركهم موقعهم على الجبال.

وهكذا لابد من تذكر الماضي، لننتفع به في بناء المستقبل.









أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS
حول الخبر إلى وورد
معجب بهذا الخبر
انشر في فيسبوك
انشر في تويتر
المزيد من "دين"

عناوين أخرى متفرقة
جميع حقوق النشر محفوظة 2003-2024