الهروب إلى المستحيل هو الأسوأ عندما تهرب أحزاب اللقاء المشترك من التعديلات الدستورية والقانونية الهادفة إلى زيادة الديمقراطية وعدم الانتقاص منها، تكون قد وضعت نفسها موضع الشبهة المثيرة للسخرية أشبه بالذي يهرب من الممكن القابل للإفادة والاستفادة إلى المستحيل غير القابل للفائدة الذي قد يكون له وجود يشبه العدم في أطياف الخيال وأضغاث الأحلام، ربما كان اللا معقول واللا مقبول لكن لا وجود له في الواقع المعقول والمقبول على الإطلاق.. أقول ذلك وأقصد به أن مقاطعة أحزاب اللقاء المشترك لانتخابات المحافظين قد يكون له ما يبرره نظراً لما لديها من وجود محدود وغير قادر على التأثير في مجريات العملية الانتخابية المحسومة سلفاً لصالح الحزب الحاكم الذي يمتلك أغلبية ساحقة في الهيئة الناخبة للمحافظين ومديري المديريات. غير أن رفض الفكرة التي تهدف إلى زيادة الديمقراطية وعدم الانتقاص منها عملية ديماغوجية وغير مفهومة بكل المقاييس العلمية والحسابات السياسية للتجارب الديمقراطية الناشئة والناضجة وما يحدث فيها من المنافسات البرامجية والدعائية الباحثة عن ثقة الهيئة الشعبية الناخبة في سباق التداول السلمي للسلطة الذي لا بداية له ولا نهاية في معركة سلمية دائمة التجدد ودائمة التجديد الدعائي الذي يوجب على أحزاب المعارضة إحراج الأحزاب الحاكمة عن طريق مطالبتها الدائمة بالمزيد من الديمقراطية بقناعة ودون قناعة من باب الحرص على الظهور بمظهر الحريص على الديمقراطية؛ لاسيما أن الأحزاب والتنظيمات السياسية حينما تكون في ساحة المعارضة ليس لديها ما تخسره من الصلاحيات والسلطات الدستورية والقانونية فتكون أكثر استعداداً للمطالبة بالمزيد من التنازلات عن الصلاحيات والسلطات بدافع الحرص وعلى المزيد من الديمقراطية لإحراج الأحزاب والتنظيمات السياسية الحاكمة غير المستعدة لتقديم أي تنازلات تحد من صلاحياتها وسلطاتها النافذة نظراً لما يترتب عليها من فقدان لما يعتبر مصلحة حزبية ترضي ما لديها من الكوادر والقيادات الحزبية المتنافسة على المواقع القيادية والوظيفية في الحزب وفي الدولة، وقد يفتح لها المجال لاستمالة الكثير من القيادات الحزبية والمستقلة مقابل حصولها على تلك المواقع الوظيفية في الدولة؛ ناهيك عما يساعدها على توسيع نطاق فاعليتها الانتخابية عن طريق استقطاب الشخصيات الوطنية المؤثرة على اتجاهات الهيئة الشعبية الناخبة التي تميل عاجلاً إلى من هم في الحكم أكثر من ميلها الآجل إلى وعود من هم في المعارضة، مهما بالغوا في برامجهم المحفوفة بكثير من الاحتمالات المرجحة للفشل أكثر من ترجيحها للنجاح على قاعدة «جرادة على مشفري ولا بربري للصراب» وعلى قاعدة «عصفور في اليد أفضل من عشرة فوق الشجرة»!!. أعود فأقول بصدق وتجرد: إن أحزاب اللقاء المشترك لم تكن موفقة في رفضها مبادرة فخامة الأخ رئيس الجمهورية، رئيس الحزب الحاكم، الهادفة إلى إحداث التعديلات الدستورية والقانونية التي توسع المجالات الانتخابية وتضّيق مجالات التعيين بداية من المحافظين ومديري المديريات؛ ونهاية بأعضاء مجلس الشورى بغض النظر عن انحصار الناخبين بأعضاء السلطة المحلية المنتخبين من الشعب في المديريات والمحافظات، ومن الذي يمتلك فيها سهم الأسد؛ لأن ما يبدأ بالانتخاب ينتهي إلى المزيد من الانتخاب في ظل تجربة دائمة الحركة والتغيير والتطور لا يستطيع الممسكون بزمام الحاضر أن يضمنوا سيطرتهم عليه في المستقبل إلى ما لا نهاية في ظروف سياسية واقتصادية واجتماعية بالغة التعقيد والصعوبة تجعل المعارضة أسهل من الحكم، وتجعل تطبيق الوعود على المحك مسألة صعبة في مجتمع كثير السكان قليل الموارد؛ حاجاته مركبة، وموارده بسيطة، تبدو المزايدة فيه والمكايدة سلاحاً خطيراً وعملاً سهلاً إلى حد كبير من قبل أولئك المتربصين للتداول السلمي للسلطة عند كل محطة من المحطات الانتخابية، يحرصون على الاستفادة من ملذات السلطة ومغرياتها الناعمة أكثر من حرصهم على سعادة الشعب ورخائه. أقول ذلك وأقصد به أن مطلب الحكم المحلي الواسع الصلاحيات من المطالب التعجيزية التي زايدت فيها أحزاب المعارضة على الحزب الحاكم إلى حد المبالغة من منطلق تقديراتها المسبقة بأن من المطالب الخيالية غير القابلة للتحقيق بهذه السرعة والبساطة التي فوجئت بها قيادات المشترك كما فوجئ بها الكثير من القيادات الحزبية والحكومية المحسوبة على الحزب الحاكم، وفي حين قبلها بذكاء المحسوبون على الحزب الحاكم على مضض من الذين فقدوا مواقعهم الوظيفية رفضها بغباء يصل حد الهبالة المحسوبون على ساحة المعارضة الذين أبت قياداتهم إلا التعامل معها بعفوية تدل على الارتجال والتلقائية غير المدروسة؛ غير مدركين أن الرفض لما تحقق منها بدافع الحرص على ما لم يتحقق هو في معانيه الظاهرة والمستترة رفض لما تحقق في الحاضر ورفض لما هو في طريقه إلى التحقق في المستقبل المنظور لا يمكن فهمه إلا في سياق الرفض المطلق للفكرة وما تحقق منها وما تعد السلطة بتحقيقه. وذلك نوع من الشطط يدل على عدم الدبلوماسية ناهيك عما ينطوي عليه من تناقض محرج مع مطالب الماضي والحاضر لا يمكن للمروجين والمتراجعين عن تبريره بأي حال من الأحوال يفتح المجال لمن أراد تعريتهم لاتهامهم بما لا يليق بهم من اتهامات تفقدهم المصداقية والثقة الانتخابية نظراً لما تكشف عنه من مساحات مترامية تفصل بين الأقوال والأفعال إلى حد القطيعة وما يفهم منها من عدم حرص على احترام الحزب لما يصدر عنه من مواقف وخطابات وبيانات غير مسؤولة لا تزيد كونها كلاماً للاستهلاك والمزايدة الدعائية الهدف منها تعبئة الهيئة الناخبة نظرياً واستمالة تأييدها النابع من الحرص على توسيع نطاق المشاركة الشعبية في السلطة بغية الحصول على الثقة والسلطة بأسلوب المستعجل الذي ينحصر تفكيره في نطاق اللحظة المجردة مما بعدها وبعد ذلك لكل مقام مقال، ولكل حادث حديث من السهل دحضها بسيل من المبررات وجبال من الصعوبات الخطابية النظرية التي تقول غير ما تفعل وفق مخرجات معلقة على شماعة المصلحة الوطنية العليا. لأن السياسة مجموعة من الممكنات ومن الفنون التي لا ترتقي إلى مستوى الحقائق العلمية غير القابلة للتأويل والتغيير الموجب للإقناع والاقتناع في سياق الاستمرار والسيرورة التنافسية الدائمة التقلب والتغيير والدائمة الاستهبال لأولئك الذين يمثلون السواد الأعظم من العامة الذين هم أقرب إلى تأثير العواطف منهم إلى تأثير العقول من السهل خداعهم والدجل عليهم والاستفادة من عفوية حركتهم التلقائية المرتجلة حتى ولو كان عن طريق إسقاط المستحيلات على ما لديهم من المصالح الممكنة؛ غير آبهين بما يصدر عنهم من تناقضات اعتقاداً منهم بأن الحاضر الذي يعيشونه مقطوع الصلة بما قبله من ماضٍ وبما بعده من مستقبل يوجب الحرص واليقظة والمصداقية والمسؤولية في التعامل مع المستجدات ومع من حولهم من جماهير واعية. أخلص من ذلك إلى القول إن الرفض المطلق كالقبول المطلق مقبرة النجاح لا يخلف لأصحابه سوى الفشل الدائم الناتج عن تجاهلهم وعدم قبولهم للممكنات، تمسكاً جاهلاً بالمستحيلات التي اعتادوا الهروب إليها في الظروف الصعبة والمزايدة عليها في الظروف السهلة، اعتقاداً منهم أن ذلك هو الأفضل رغم اقتناع من حولهم بأنه الأسوأ. لقد كان القبول بالممكن هو الأفضل لهم من الهروب إلى المستحيل خوفاً عليهم من شبهة أولئك الذين وصفتهم الآية من غلاة المزايدين والرافضين للفساد بأنهم «هم المفسدون ولكن لا يعلمون». |