السبت, 23-نوفمبر-2024 الساعة: 02:28 م - آخر تحديث: 02:25 م (25: 11) بتوقيت غرينتش      بحث متقدم
إقرأ في المؤتمر نت
المستقبل للوحدة
صادق‮ ‬بن‮ ‬أمين‮ ‬أبوراس - رئيس‮ ‬المؤتمر‮ ‬الشعبي‮ ‬العام
البروفسور وهيب عبدالرحيم باهديله في رحاب العُلماء الخالدين
أ.د عبدالعزيز صالح بن حبتور
ثورة الـ "14" من أكتوبر عنوان السيادة والاستقلال والوحدة
بقلم/ يحيى علي الراعي*
14 أكتوبر.. الثورة التي صنعت المستحيل
قاسم‮ محمد ‬لبوزة‮*
زخم الثورة وحاجته لسلوكٍ ثوري
إياد فاضل*
خواطر في ذكرى تأسيس الموتمر الشعبي العام
د. أبو بكر عبدالله القربي
المؤتمر الشعبي رائد البناء والتنمية والوحدة
عبدالسلام الدباء*
شجون وطنية ومؤتمرية في ذكرى التأسيس
أحمد الكحلاني*
ليبارك الله المؤتمر
راسل القرشي
ميلاد وطن
نبيل سلام الحمادي*
رؤية وطنية تلبّي احتياجات الشعب
أحلام البريهي*
المؤتمر.. حضور وشعبية
أحمد العشاري*
دين
المؤتمر نت -

أ.د. فتحي محمد الزغبي -
معجزتا الإسراء والمعراج (نظرات تحليلية)
يظن كثير من الناس أن الإسراء والمعراج عبارة عن معجزة واحدة، والصحيح أنهما معجزتان اثنتان من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم، وقعتا في ليلة واحدة.

فمعجزة الإسراء تطلق على الرحلة العجيبة التي أسرى فيها النبي صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام بمكة إلى المسجد الأقصى بالقدس الشريف في جزء من الليل.

معجزة المعراج تطلق على رحلة أخرى، ولكنها أعجب من الأولى فإذا كانت الأولى في دائرة الأرض حتى سماها البعض رحلة أرضية، فإن الثانية قد اخترقت السماوات حيث عرج بالنبي صلى الله عليه وسلم حتى تجاوز السبع الطباق إلى سدرة المنتهى عندها جنة المأوى، إذ يغشى السدرة ما يغشى، إلى حد انقطعت عنده علوم الخلائق جميعها، ثم العودة مرة أخرى إلى المسجد الأقصى حتى سماها البعض الرحلة السماوية، ثم كانت العودة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام حيث رجع النبي صلى الله عليه وسلم.

وإذا كانت المعجزتان قد وقعتا في ليلة واحدة ويجب الإيمان بهما معاً فإن كل معجزة تختلف عن الأخرى في بعض النواحي:

فالإسراء قد ثبت ثبوتاً قطعياً بنصوص القرآن الكريم والسنة النبوية حيث يقول تعالى في أول السورة التي تسمى باسمه “سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير” (سورة الإسراء آية 1).

أما ثبوته في السنة فقد وردت عنه أحاديث صحيحة ومتكاثرة يقول الإمام القرطبي “ثبت الإسراء في جميع مصنفات الحديث، وروى عن الصحابة في كل أقطار الإسلام فهو متواتر بهذا الوجه، وذكر النقاش ممن رواه عشرين صحابياً”.

وينقل الحافظ ابن كثير عن الحافظ أبي الخطاب أنه قد تواترت الروايات في حديث الإسراء عن خمسة وعشرين من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين منهم من ساقه بطوله، ومنهم من اختصره على ما وقع في المسانيد، وإن لم تكن رواية بعضهم على شرط الصحة.

أما المعراج فهو ثابت بالأحاديث الصحيحة الواردة في الإسراء، والتي رواها الثقات العدول، وتلقتها الأمة بالقبول، ولو لم يكن إلا اتفاق الشيخين البخاري ومسلم على تخريجهما في صحيحيهما لكفى، فما بالك وقد خرجها غيرهما من أصحاب كتب الحديث المعتمدة، وكتب السير المشهورة، وكتب التفاسير المأثورة، حيث ورد الحديث عن المعراج بعد الإسراء في روايات موحدة، لكن المعراج لم يثبت بالقرآن الكريم صراحة، وإنما أشير إليه في سورة النجم من خلال قوله تعالى: “علمه شديد القوى (5) ذو مرة فاستوى (6) وهو بالأفق الأعلى (7) ثم دنا فتدلى (8) فكان قاب قوسين أو أدنى (9) فأوحى إلى عبده ما أوحى (10) ما كذب الفؤاد ما رأى (11) أفتمارونه على ما يرى (12) ولقد رآه نزلة أخرى (13) عند سدرة المنتهى (14) عندها جنة المأوى (15) إذ يغشى السدرة ما يغشى (16) ما زاغ البصر وما طغى (17) لقد رأى من آيات ربه الكبرى” (سورة النجم).

وسواء كان الضمير هنا يعود إلى الله سبحانه أو إلى جبريل عليه السلام حيث اختلف المفسرون في ذلك فإن هناك إجماعاً منهم على أن ذلك كله قد وقع في المعراج.

ولا يعني عدم ثبوت المعراج بالنص الصريح قلة الإيمان به، وضعف التسليم بوقوعه، فقد أشير إليه في القرآن الكريم بإجماع العلماء، وجاءت السنة النبوية الشريفة مبينة للقرآن، وشارحة له، ومتممة له،


الإيمان بالإسراء توطئة للإيمان بالمعراج

والإيمان بالإسراء توطئة للإيمان بالمعراج، فمن صدق بالأول أيقن بالثاني، ولعل ذلك هو السر في التنصيص صراحة على الإسراء في القرآن دون المعراج على اعتبار أن المعاندين بإمكانهم التأكد من الأول دون الثاني، ومن أجل ذلك فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تحدى مكذبيه من قريش بالإسراء فلما أخبرهم به قالوا له: إن كنت صادقاً فخبرنا عن عيرنا أين لقيتها؟ قال: بمكان كذا كذا مررت عليهم ففزع فلان، وحينما سألوه عن موعد إتيان هذه العير أجاب بأنها ستأتي مع شروق الشمس في يوم معين، وقد حدث ذلك فعلاً فقالوا: هذه الشمس قد طلعت وهذه العير قد أقبلت يقدمها جمل أورق كما أخبر محمد.

بل إنهم استخبروه عن صفة بيت المقدس فوصفه لهم ولم يكن قد رآه قبل ذلك فقد ورد في الصحيح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لقد رأيتني في الحجر وقريش تسألني عن مسراي فسألتني عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها، فكربت كربا ما كربت مثله قط، فرفعه الله لي أنظر إليه فما سألوني عن شيء إلا أنبأتهم به”.

وحينما ذهبوا إلى الصديق أبي بكر ليسألوه قال لهم: إن كان قد قال فقد صدق، إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك، إني لأصدقه في خبر السماء.

ومعنى ذلك أنهم قد تمكنوا من التحقق بخبر الإسراء لأنه مرتبط بالمسجد الأقصى بالقدس التي يذهبون إليها ويعرفون طريقها، ولكن المعراج مرتبط بالسماوات العلا وسدرة المنتهى فلا يتم التصديق به إلا بالوحي والتسليم بما ورد فيه، واليقين بصدق النبي صلى الله عليه وسلم فيما يقول، يقول تعالى: “ما ضل صاحبكم وما غوى (2) وما ينطق عن الهوى (3) إن هو إلا وحي يوحى”.

بالروح والجسد معاً

وقد وقع كل من الإسراء والمعراج في اليقظة بالروح والجسد معاً، والأدلة على ذلك كثيرة منها قوله عز وجل “سبحان الذي أسرى بعبده” فقوله تعالى “سبحان” يعني أن الله عز وجل يمجد نفسه، ويعظم شأنه وينزه ذاته العلية عما لا يليق بجلاله، لقدرته على ما لا يقدر عليه أحد سواه فلا إله غيره، ولا رب سواه، فهو الذي أسرى بالنبي صلى الله عليه وسلم وحمله بقدرته التي لا تحدها حدود ولا تقيدها قيود، فمن الخطأ أن نتعامل مع الإسراء أو المعراج على أنهما من فعل النبي صلى الله عليه وسلم بحدوده البشرية ونتساءل مثلما تساءلت قريش “أتزعم أنك قد أتيتها في ليلة ونحن نقطعها في شهرين ؟” وهو لم يقل أبدا أنا سريت أو عرجت إنما يقول “أسري بي” و”عُرج بي” ومن المعلوم أنه كلما زادت القوة قل الزمن، ومع قوة الله عزوجل فلا حاجة إلى زمن ( إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ).

ويدلنا على أن الإسراء والمعراج بالروح والجسد معاً أيضاً قوله تعالى “أسرى بعبده” في الإسراء، وقوله تعالى “فأوحى إلى عبده ما أوحى” في المعراج، فلفظة العبد اسم لمجموع الجسد والروح معاً.

والعبودية على ما نص عليه العارفون أشرف الأوصاف وأعلى المراتب وبها يفتخر المحبون، ولو كان للنبي صلى الله عليه وسلم اسم أشرف من قوله “بعبده” لسماه به في تلك الحالة العلية، لكنه لما وصل إلى الدرجات العالية والمراتب الرفيعة أوحى الله تعالى إليه بم نشرفك؟ قال: بنسبتي إليك بالعبودية، ويقول القشيري: لما رفعه الله تعالى إلى حضرته السنية، وأرقاه فوق الكواكب العلية ألزمه اسم العبودية تواضعاً للأمة،

ويذكر الآلوسي أن في التعبير بقوله “بعبده” دون حبيبه مثلاً سداً لباب الغلو فيه كما وقع للنصارى في نبيهم عليه السلام.

فذكر صفة العبودية هنا لتقريرها وتوكيدها في مقام الإسراء والمعراج إلى الدرجات التي لم يبلغها بشر، وذلك كي لا تنسى هذه الصفة ولا يلتبس مقام العبودية بمقام الألوهية، كما التبس في العقائد المسيحية بعد عيسى عليه السلام بسبب ما لابس مولده ووفاته، وبسبب الآيات التي أعطيت له، فاتخذها بعضهم سبباً للخلط بين مقام العبودية ومقام الألوهية.. وبذلك تبقى للعقيدة الإسلامية بساطتها ونصاعتها وتنزيهها للذات الإلهية عن كل شبهة من شرك أو مشابهة من قريب أو من بعيد.

ومن أجل ذلك فقد أخطأ من زعم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد تحول إلى الملائكية في رحلة المعراج حتى تجاوز سدرة المنتهى فصار فوق الملائكية لأن جبريل عليه السلام قال له “لو تقدمت لاحترقت، أما أنت لو تقدمت لاخترقت وما منا إلا له مقام معلوم”.


وهذا أمر خطير في مجال العقيدة الإسلامية، فليس فوق الملائكية إلا الألوهية، ويستحيل أن يقول مسلم بذلك، والصحيح في هذا الأمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ظل على حاله من البشرية في إسرائه ومعراجه وارتقى إلى ما ارتقي إليه وهو على ما هو عليه، بشراً رسولاً، وخرق الله له قوانين الكون والسماوات ولم يغير من طبيعته شيئاً مثلما فعل سبحانه مع الخليل إبراهيم عليه السلام حيث خرق له قوانين النار فأبطل ما فيها من إحراق ولم يغير جسده إلى مادة غير قابلة للاشتعال مثلاً فقال تعالى “قلنا يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم” (سورة الأنبياء الآية 69) وهذا أبلغ في الإعجاز

وليس في الإسراء والمعراج في جسده وحال يقظته استحالة فهذا هو الحق الذي تدل عليه الآيات والأحاديث الصحيحة، ولا يعدل عن الظاهر والحقيقة إلى التأويل إلا عند الاستحالة، ولو كان مناماً لقال بروح عبده، ولم يقل بعبده، وقوله “ما زاغ البصر وما طغى” يدل على ذلك.

ومعنى ذلك أن ما ذهب إليه البعض من أن الإسراء والمعراج كانا بالروح فقط، أو كانا مناماً وليس يقظة غير صحيح حيث استشهدوا بقوله تعالى: “وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس” على أن الرؤيا لا تتم إلا مناماً، ويرد عليهم بأن كلمة “الرؤيا” تطلق على البصرية والمنامية كما ورد في كلام العرب مثل كلام الشاعر وكبر للرؤيا وهش فؤاده، وبأن الإسراء لو كان مناماً لما تعجبت منه قريش وقامت بتكذيبه والتشنيع عليه، ولما قالت له أم هانئ، لا تحدث الناس فيكذبوك، فتكذيب قريش واستبعادهم يؤكد أنه بالروح والبدن معاً، وليس مناماً لأن المنام لا يستوجب الإنكار ولا يدعو إلى التعجب: فقد يرى النائم في منامه أنه صعد إلى السماء وانتقل من الشرق إلى المغرب، وسافر إلى أقصى المعمورة ولا ينكر عليه احد، ولو كان مناماً لما كان آية ولا معجزة ولما كان فتنة للناس، فنص الآية يرد عليهم “إلا فتنة للناس” فلو كان معنى الرؤيا فيها مناماً ما كانت فتنة للناس، حتى ارتد بعض ضعاف الإيمان ولما فضل الصديق أبو بكر بالتصديق.

الصلاة بالأنبياء


وإذا قيل مثلاً على وجه الاستشكال في بعض الروايات: كيف يصلي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم في المسجد الأقصى وحينما يصعد إلى السماوات يمر ببعضهم فيسألون في دهشة وتعجب: أوقد أرسل إليه؟ فإن الحافظ ابن كثير قد دفع هذا الإشكال وبين أن الرسول صلى الله عليه وسلم في عودته من المعراج هبط إلى بيت المقدس، وهبط معه الأنبياء فصلى بهم فيه لما حانت الصلاة، ويحتمل أنها الصبح من يومئذ، ويقول: ومن الناس من يزعم أنه أمهم في السماء، والذي تظاهرت به الروايات أنه في بيت المقدس، ولكن في بعضها أنه كان أول دخوله إليه، والظاهر أنه بعد رجوعه إليه، لأنه لما مر بهم في منازلهم جعل يسأل عنهم جبريل عليه السلام واحداً واحداً، وهو يخبره بهم وهذا هو اللائق، لأنه كان أولاً مطلوباً إلى الجناب العلوي، ليفرض عليه وعلى أمته ما شاء الله تعالى، ثم لما فرغ من الذي أريد به، اجتمع هو وإخوانه من النبيين صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين ثم أظهر شرفه وفضله عليهم بتقديمه في الإمامة.



* رئيس قسم أصول الدين - جامعة الشارقة
*عن الخليج الاماراتية








أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS
حول الخبر إلى وورد
معجب بهذا الخبر
انشر في فيسبوك
انشر في تويتر
المزيد من "دين"

عناوين أخرى متفرقة
جميع حقوق النشر محفوظة 2003-2024