الأحزاب والإصلاحات والديمقراطية!! التعديلات الدستورية التي أقرتها اللجنة العامة وقبل مجلس النواب مناقشتها تمهيداً لإقرارها بعد شهرين، لاشك أنها وليدة وعود انتخابية سابقة وعد بها المؤتمر الشعبي العام ورئيسه في الانتخابات الرئاسية والمحلية ,تهدف إلى زيادة الممارسة الديمقراطية وليس إلى الانتقاص منها ،سواء في مجال تحديد مدة رئيس الجمهورية بخمسة أعوام وعدم الحد من حق الترشح في دورتين انتخابيتين أو في مجال التحول من السلطة المحلية إلى الحكم المحلي والتخلص من المركزية الإدارية والمالية.. أو في مجال انتخاب أعضاء مجلس الشورى من الشعب.. أو في مجال إعطاء المرأة أربعة وأربعين مقعداً في مجلس النواب.. لايستطيع أي منصف إلا أن يعترف للحزب الحاكم بأنه حريص على توسيع قاعدة المشاركة الشعبية في الهيئات والمؤسسات الدستورية للدولة الديمقراطية.. ولايجد المراقب المحايد فيما تطرحه أحزاب المشترك من مبررات لحملتها الإعلامية التي تقيم الدنيا ولا تقعدها .. لا لشيء اللهم إلا أنها لاتريد الدخول في العملية الانتخابية الوشيكة.. التي تتقاطع مع مالديها من الحسابات والاحتمالات المبنية على مالديها من التطلعات والأمنيات المثالية التي لايعتد بها كحقائق واقعية موجبة للاقناع والاقتناع.. مثلها مثل إقرار التعديلات الانتخابية وإعادة تشكيل اللجنة العليا من قضاة مستقلين عن الأحزاب وقادرين على الحياد وعدم الانحياز في تنفيذ العملية الانتخابية، تنفيذاً لما تطالب به المعارضة من الحرية والنزاهة والشفافية. مثل هذه التنازلات الدستورية والقانونية والسياسية المجانية، المعبرة عن حسن النية التي يقدمها الحزب الحاكم صاحب الأغلبية الساحقة لأصحاب المعارضة الذين لايعجبهم العجب. لا أعتقد أن أحزاب المشترك لوكانت هي صاحبة الأغلبية كانت ستقدمها بالمجان للمعارضة لو افترضنا أنها صاحبة الأغلبية وأن الحزب الحاكم صاحب الأقلية.. نظراً لما تنطوي عليه من تقديم للمصلحة العامة للهيئة الناخبة على المصلحة الخاصة للحزب الحاكم .. ربما لأن الديمقراطية لا وجود فيها لسلطة راسخة ومعارضة دائمة.. لأن اغلبية اليوم قد تتحول إلى اقلية الغد ,وأقلية اليوم قد تتحول إلى أغلبية الغد. أقول ذلك وأقصد به أن هذا النوع من الحراك الديمقراطي يندرج في نطاق التقيد بالشرعية الدستورية ولايمثل خروجاً عنها بأي حال من الأحوال.. ويؤكد بما لايدع مجالاً للشك أن الكتلة البرلمانية الكبيرة للحزب الحاكم لازالت سليمة وأن القول بأنها قد تعرضت للاختراقات إلى درجة جعلتها غير قادرة على تعديل الدستور مسألة أوهام وتهيآت مختلقة عديمة الجدوى وناتجة عن عدم قدرة الأحزاب الشمولية على استيعاب مالديه من نقاط القوة الناتجة عن اعطاء مساحة كافية للتباين في الآراء داخل الحزب والإطار الواحد، مقارنة بما تنتهجه الأحزاب الشمولية من سياسة القبضة الحديدية ومبدأ المعرفة بقدر الحاجة ومبدأ نفذ ثم ناقش، لأن الحزب الذي لايستطيع انتخاب ومحاسبة قياداته يظل عاجزاً عن امتلاك القدرة على التجدد والتجديد لقياداته الديمقراطية القادرة على انتهاج الحركة والتغيير والتطور السياسي والاقتصادي والاجتماعي الدائم والمستمر في كل الظروف والمعتركات. أعود فأقول إن الأحزاب والتنظيمات الشمولية التي تروج تحت موروث السرية وماكانت تمارسه من ممارسات المركزية الديمقراطية, ليست قادرة على مماحكات الأحزاب اللبيرالية التي توازن بين النوعية والكمية في العضوية، ليست بالضرورة أحزاباً انتخابية، نظراً لما تعتمد عليه من الصفوة والنوعية التي تنظر للجميع من أبراج عاجية لاتحس بمعاناته وآلامه وتطلعاته وحقه في الحياة والحرية والتقدم والتداول السلمي للسلطة ولاتنظر إلا من زاوية الرؤية الانقلابية المتموضعة خلف الأساليب والحركات الدكتاتورية التي تستبدل الشرعية الانتخابية بالشرعية الحوارية.. والشرعية الدستورية بالشرعية الثورية التي لامجال فيها للتعدد والتنوع ولامجال فيها للوحدة في نطاق الاختلاف. فنجدها لذلك وذاك محكومة بعدم القدرة على الظفر بثقة الشعوب صاحبة القول الفصل في منح الثقة وحجب الثقة، لأنها تهرب من الانتخابات التنافسية بحكم أنها لاتمتلك قاعدة جماهيرية قادرة على حسم العملية الانتخابية المفتوحة.. ومعنى ذلك أن هذه الأحزاب النوعية التي لاتحتكم للديمقراطية في انتخاب هيئاتها القيادية، لايمكنها أن تكون قادرة على الاحتكام للديمقراطية في انتخاب الهيئات والمؤسسات والسلطات الدستورية للدولة الديمقراطية.. اخلص من ذلك إلى القول إن أحزاب المشترك التي تتظاهر بتمثيل نبض الشارع الجماهيري، وادعاء القدرة على تمثيل جماهير الشعب صاحبة المصلحة الحقيقية في الديمقراطية القائمة على التعددية الحزبية والسياسية والتداول السلمي للسلطة وحرية الصحافة وحقوق الإنسان، سرعان ما تنقد مالديها من الموضوعية والمصداقية والثقة في أول انتخابات تنافسية حرة ونزيهة تتحول فيها الأقوال النظرية إلى أفعال عملية، لأنها في المحصلة النهائية أحزاب غير ديمقراطية تقول عكس ماتفعل, وتفعل عكس ماتقول لاموقف لديها ولا قضية وطنية ولا هدف لها من المطالبة بالإصلاحات سوى التعجيز والتأزيم للحياة السياسية..! عن الجمهورية |