مناحات فارهة مذاق الكتابة أصبح علقماُ، وليس سوى السواد الداكن يلف واقعنا السياسي، والأسئلة تقول ماذا جنت الساحات حتى الآن غير ما نحن عليه ، وما الذي جنته قنوات النفخ في الكير سوى تأجيج الوضع والتشفي السادي بقبحنا وأشلائنا وعوزنا وغبائنا؟ ها نحن نرى، فالسياسيون مقامرون أوغاد وكبراؤهم لا يلقون بالا إلا لتحقيق مآربهم الدنيئة في الوصول إلى السلطة، وبعضهم يمرح الآن في أوروبا يقضي إجازته السنوية بينما لا يجد السواد الأكبر من هذا الشعب المغلوب على أمره ما يسد فاقته، تعطلت آمال الناس وأعمالهم، وجوه منكسرة وحائرة، وطفل في السابعة أو دونها يتوسل أباه أن يشري له ألعاب الإجازة الصيفية، والأب الحنون يكاد يتميز من الغيظ، وبسبب أزمة الوقود ازدادت التعاسة أضعافاً، ولا ندري ما الذي يمكن أن يصبح عليه الحال لو لم نجد مخرجا يحفظ لنا ما تبقى من الحرث والنسل والأثل القليل في بلد الإيمان والحكمة وموطن الحزن الأبدي واللعنة الفارهة. لم أعد أرغب في فتح التلفاز، مناحات كالسيل، غثاء واستغباء ، واستفزاز لذرات الوعي التي لا زالت تشكل مكونات عقولنا، في ظل اضمحلال القيم المهنية والأخلاقية، وبدلا من أن تصبح وسائل الإعلام منبرا للصدق المفضي إلى جزء من الحقيقة تحولت إلى كوابيس مترعة بشهقات الزيف وتزوير كل شيء والمبالغة فيه بإصرار كبير لتحمل الناس على الإيمان بالثورة الشبابية أو الشعبية أو القبلية. كم شعرت بالمرارة وأنا أقرأ مراسلا لإحدى الوكالات يقول: مواجهات عنيفة بين موالين لصالح وقوات تابعة للزعيم القبلي صادق الأحمر، بينما هناك قناة تميت الرئيس وتحييه في اليوم عشر مرات، وأخرى تنفيه من الأرض، وغير هذه وتلك قنوات وصحف ومواقع لا تبرح تكر وتفر بمفردات لا تتجاوز الحرس الجمهوري ونجل الرئيس وأقاربه وبقايا النظام لتحشرها في كل شاردة وواردة مما تتلقفه من متصلين أصبحوا بقدرة قادر محللين سياسيين وفطاحلة متنورين بنور الثورة . معارك طاحنة تدور في الجوف منذ أشهر بين بعض شركاء ساحات التغيير أعلن كل فريق فيها الجهاد على الآخر، لكنها أخبار لا يريدها مخرج الجزيرة ولا مدخل العربية، آلاف يشردون في أبين، معاناة وجوع وافتقاد للمأوى ، ولا حركة للمواصلات متاحة وقتل عشوائي لكنها أمور تمر عليها تلك الوسائل مرور الكرام ، والعجيب أنها تصف الجيش هناك بالجيش اليمني، لكنها في صنعاء وغيرها فهو ليس سوى موالين لصالح أو ما تبقى من قوات موالية له!أما على الضفة الأخرى من الأسى فساحات التغيير بدأت تستفيق من حلم الثورة على كارثة الواقع، اكتشفت أنها مسيرة وليست مخيرة، وأحزاب الشقاق والنفاق تناور وتلعب فهي باتت على مرمى حجر من التربع على عرش اللعبة التي عجزت عن الفوز بها وفقاً لقواعدها المتعارف عليها، اكتشفت الساحات أنها ليست هي ، أنكرت ذاتها وسط الضرب والاعتقال والتخوين والعمالة والاندساس، استفاقت لتعرف أن الشيخ يسيطر، والأيديولوجيا الحزبية تهيمن، وحماة الثوار بكل فخر هم الجلادون، وبالتالي لا بد من متتالية لا نهائية من الثورات، لكن هل هم قادرون على إنجازها أم أنهم بالفعل لا يعيشون سوى حلم الثورة! على الصعيد الشخصي لا يزال إيماني قائماً بغد أفضل ويمن أجمل، لكن لا أظن أن الجراح التي أثخنت بنياننا ستسمح لنا بتحقيق شيء على المستوى الزماني القريب، وبالتالي سنتذرع بالأمل لأجيال قادمة تكون قادرة على إنجاز الفعل التغييري بلا وصاية ولا تبعية ولا تمترس فئوي أو جهوي أو مذهبي، فقد أثبتت الأشهر الماضية أننا أمة خلقت لتعيش الحاضر من أجل الماضي، فهي تنشد دم الحسين ومظلمة البيض ودم الحمدي، أمة ثأرية بكل امتياز، أمة لا تعرف أننا حسب التعبير الشعبي المصري (أولاد النهار ده) وما مضى فات ولا يمكن أن يعود، لكن للأسف مرور السنين أثبت أن المناحات الصدئة متواصلة وهاهي يتعالى نحيبها في خيام الساحات الخائبة الرجاء والمستيقظة فجأة على سراب ثوري ليس بأيديها ولا حتى بأعينها الإحاطة به. إننا نقرع أجراسنا في ظل المتراكم القاسي من هذه الغشاوة، ولن تكون مملكة الصمت ملاذنا الأخير، وكل أمانينا أن ينتهي هذا المولد العبثي عاجلا، فهناك أسر تتضور، ومصالح تهدر، وأمامنا إرث طويل من التخلف يجب أن نكافح لنخرج من بين ركامه سالمين باتجاه الدولة المدنية والمواطنة المتساوية في العيش الكريم الآمن وفرض هيبة القانون، أما السلطة فلا تدوم لأحد فيوم لك ويوم عليك ويوم تساء ويوم تسر. * عن يومية الثورة |