الولاء الوطني ..دوره في البناء والإصلاح
السبت, 09-مايو-2009شائف علي الحسيني * - الولاء الوطني مفهوم قديم حديث فإذا كان في الماضي يعني التبعية سواءً للمكان أو للأشخاص عرف آنذاك ( بأنه الملك – بكسر الميم وسكون اللام – والقرب – والقرابة – والنصرة ) ( 1 ) .
فإنه في العصر الحديث قد غدا مفهوماً سياسياً واجتماعياً وثقافياً أكثر شمولاً واتساعاً ، حيث كل فرد من أفراد الوطن يجعل الولاء أسمى معاني الحب والوفاء لديه ، وتحت رايته يبذل الغالي والرخيص خاصةً في الظروف الاستثنائية التي تمر به الأوطان فيكون لدى الشعوب هو الحصن الحصين لوحدتها وتقدمها وازدهارها.
فهل نحن اليمنيين أمام ما يجري من أحداث خطيرة في ساحة الوطن اليوم بحاجة إلى أن نتسلح بالولاء - بعد أن عجزت أو كادت أسلحة أخرى إيقاف جريانها - لنواجه به القضايا المطروحة .
فما هو يا ترى شكل الولاء ومعاني الوفاء الذي ينبغي أن يعبر عنه بالأفعال لا بالأقوال للسير بالوطن نحو الآمال العريضة والمستقبل الواعد ، بدلاً عن الضياع والتياهان في سراب لا يروي من عطش ولا يدل على طريق .
لا يفسر الولاء بأنه الدفاع اللفظي عن الوطن أمام خصومه أو ضد من يتدخل في شئونه أو يقلل من أهمية المنتميين إليه أو غير ذلك، فهذا تفسير مبسط للولاء الوطني كأن يقول فلان من الناس هذا بلدكم متخلف جداً وناسه متخلفون ، لأنهم يمارسون سلوكيات في الحياة العامة غير جيده كرمي المخلفات في الشوارع وتخريب البيئة وتعاطي القات واختطاف الأجانب وأعمال الإرهاب وانتهاك القوانين ثم تكون الثورة في وجه القائل لأننا نملك ولاءً للوطن .
هذا دفاع غير مجدي وليس هو جوهر القضية للدفاع في إثبات الولاء ، لأن كل ما قيل هو يمارس في الواقع المعيش ونكرانه يعتبر تعصباً لا يقوم على منطق سليم أو أساس يبنى عليه الدفاع ، فالأجدر أن يكون الرد على مثل هذا الانتقاد بأفعال إيجابية تبدأ بثوره في النفوس والعقول يتبعه العمل لمقاومة هذه السلوكيات الرديئة وبث التوعية في أوساط المجتمع بأضرارها حتى لا يتردد هذا القول المعيب على ألسنة الأخرين مره أخرى، فيكون الولاء الوطني بذلك العمل في أعلى درجاته لأن حب الوطن قد تجسد عملياً بأفعال إيجابية ودفع الغيورين لتحسين صورته ورفع مستوى أهله حضارياً ومدنياً فوجدوا أنفسهم بهذا العمل المثمر أمام غيرهم من الشعوب والبلدان في محل التقدير والإحترام .
ما هو الوطن ؟
الولاء لا يأتي إلا من معرفة سليمة وصحيحة وعميقة بأهمية وقيمة الوطن في حياة أي شخص باعتباره المكان الذي يمنح الأرض للزرع والمصنع للصناعة والمتجر للتجارة والمدرسة للدراسة والمستشفى للتطبيب والطريق للسير والوصول إلى الهدف والحديقة للنزهة ، هو جواز السفر وبطاقة الهوية والمآل ومكان القبر ( هو الأرض والإنسان ) فإذا تكونت عبر الحقب ثقافة الترابط والاختلاط لمشاعر الساكنين من فنون وذكريات المكان والزمان والإبداع وطرق المعيشة وتأطر الساكنين نفسياً وسلوكياً بها ويتصفون بصفات مشتركة كاللغة والدين ولهم دولة راعية وسلطة نافذة وغيرها .. فإن هذا هو بصفه مبسطة الوطن.
إذا أجمع أفراد هذا الوطن أن لا مكان لهم غيره للعيش والإقامة لأنه المصير والمآل فإن ذلك يجعل الناس في ولائهم الوطني يحافظون عليه ويدافعون عنه كأسرهم ودينهم ومنازلهم ومزارعهم لأن فقدانهم لمقومات حياتهم يعني الخروج إلى العراء وإلى الضياع فهل يستحق مثل هذا المكان الذي يجتمع فيه الناس والتاريخ والثقافة والآمال نحو المستقبل أن يدافع عنه وأن يوليه ساكنيه اهتمامهم وولاؤهم .
أعتقد أن ذلك أمر لا ينكره أحد وبالتالي يصبح كل شيء داخل هذا الحيز من الأرض المسمى وطناً هو من يدافع عنه ضد العدوان وهو من يحرس أمنه وأمن ساكنيه ومن يعمل لأجله لأنه كل شيء في نهاية المطاف .
لماذا يكون الولاء للوطن ؟
لأن تحقيق الحاجة في العيش والسكن وتوفير الطمأنينة والأمن والأمان لا يتوفر لهم في قرية أو حارة أو قبيلة أو جهة إنه يتوفر من مجموع ما هو في هذا الوطن بمساحته وأرضه ببحاره وسمائه بثرواته في باطن الأرض وظاهرها بإنسانه رجال ونساء ، فالعمل والحرية والكرامة لا تتحقق بالتجزؤ واختزال الوطن بمفهومات محدودة ومتخلفة ، ولا يتوفر للإنسان في هذا التجزؤ متطلبات العيش والاستقرار ولا يشكل له الاستخلاف للأجيال جيلاً بعد جيل بتراث عظيم وذخيرة مادية ومعنوية وهو مجزئ وضعيف فالتجزؤ يأتي بعكس ذلك تماماً فيكون الناس بذلك كقوارب في بحرٍ يتلاطمها الموج ومعرضة للغرق ولا يجدون من ينقذهم ، السعادة في ظل الأوطان لا تأتي من وطن ضعيف أبداً بل من وطن قوي وعظيم ، لأن عظمة الدولة اليوم من ضمن ما تقاس به مساحتها وسكانها ووحدة أبنائها .
العالم اليوم يتكون من دول كبرى ودول صغرى ثم أشباه الدول التي قال عنها وزير الخارجية الفرنسي الأسبق هوبر فيدرين أنها عاجزة عن الممارسة الفعلية لسيادتها الرسمية وغالباً ما تقع فريسة للقوى فوق الوطنية ( العالمية ) (2 )
فإذا تعرض جزء من هذا الوطن للخطر هبت أجزائه في نجدته يداً واحدة وقلباً واحداً إنه بذلك يكون كالجسد إذا تألم طرف منه تألمت له سائر الجسد .
كيف نوالي الوطن؟
هل نوالي الوطن بالعاطفة وبالكلام المعسول بالشعر والنثر بالإدعاء أننا أحفاده وأبنائه ولنا تاريخ حافل بالبطولات والمنجزات الزراعية والصناعية وغيرها هذا مطلوب قوله ولكن ليس هو الولاء الحقيقي لأن متطلبات الولاء تتمثل بالقدوة في العمل بإخلاص وتفاني ، العامل في مصنعه يتقن عمله وينتج منتج يستحق أبناء وطنه شرائه والاستفادة منه دون أضرار ، الفلاح في مزرعته يمارس سلوكاً سوياً في التعامل مع الأرض ومع البيئة ومع جيرانه لا يستخدم السموم المحرمة ولا الأسمدة القاتلة للأرض ولا يهدر الثروة المائية في سبيل الحصول على غلة يجني منها الأرباح الكبيرة فيصيب الأرض ويصيب الإنسان بالمرض الذي يؤدي في النهاية إلى هجر المكان وتدمير الكيان ، عندما يترفع في ممارسته عن هذا السلوك السيئ والمشين فإنه يوالي وطنه .
المدرس في المدرسة عندما يسكن التلاميذ قلبه وعقله مثل أبنائه والمدرسة مثل بيته فهو يعطي بسخاء ويربي بإباء وينشئ في نفوس التلاميذ حب الوطن فيخرجون للحياة منتجين ومتشبعين بالولاء لوطنهم محبين لأرضه وناسه .
الموظف في وظيفته لا يخون الأمانة ولا يخالف القانون ولا يسرق الأموال العامة أو الخاصة لا يرتشي ليقدم لمحتال خدمة غير قانونية ليعتدي بها على حقوق المجتمع وسكونه ومواظب على عمله كأنه يعمل لنفسه ثم يتعامل مع القانون كما هو يحترم نصوصه وينفذ تعليماته .
عندما يكون موظف الجمارك ومسئول الأمن في المنافذ والتخوم لهم حرص على حماية المجتمع وأموال الدولة لا يخالفون قانوناً ولا يغشوا سلعة ولا يرتشوا من أحد لإدخال بضائع ضارة بالمجتمع والبيئة فإن ذلك هو الولاء الوطني .
ضابط الشرطة في مخفره وفي إدارته كيف يطبق القانون والنظام ويحمي الأمن ويصنع علاقة حميمة مع المواطن فيتحول قسم الشرطة من مكان للخوف إلى مقرٍ للأمن والأمان عندما تكون يد الضابط والجندي عفيفة من الرشوة محترماً للقانون ومطبقاً له وتكون المسئولية في قلبه وعقله كواجب يؤديه للوطن وليس غير ذلك ممنوناً وسعيداً بما يقوم به فإن ذلك هو الولاء لوطنه ولمواطنيه .
الضابط والجندي في الجيش وهو يحمي الثغور ويحرس تخوم الوطن من الأعداء ومن المهربين لا يغريه مال ولا يلين له جانب في أمرٍ يضر الوطن ، يحمي ثروة الأمة في البحر والبر والسماء ، فوق الأرض وفي باطنها ، يحرص على سلاحه وأدواته الحربية كأنه يتعامل مع أدوات منزله ، يتحلى بالخلق في تعامله مع زملائه ومع المواطنين يتزود بالعلم والمعارف ليكون على مقدرة باستخدام السلاح الحديث ويهتم بهندامه ومظهره ويضرب أمثلة في البطولة والفداء عند تعرض وطنه للخطر فذلك هو الولاء الوطني .
القبيلي باحترامه لدولته ولأهله وجيرانه ويمنع نفسه من الأنجرار وراء القتل والفتن وقطع الطرقات والتهريب لسلع ممنوعة وضارة باقتصاد الوطن وصحة المواطنين ويمنع نفسه عن حماية الفارين من وجه العدالة ،عندما يتجرد أولئك الذين يختطفون الأجانب ويجعلونهم رهائن لابتزاز الدولة ويسيؤن بأعمالهم تلك لملايين اليمنيين ولسمعة البلاد وما يلحق بها من أضرار مادية ومعنوية فادحة ، فأفعالهم تلك تنفر المستثمرين والسياح والزائرين وتمنع المساعدات الدولية التي تقدم للمرضى والمحرومين وغير ذلك ، عندما يبتعدون عن هذه المسالك الفاسدة فإن هذا هو ولاؤهم لوطنهم .
الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني .
عندما تكون المعارضة قائمة سياستها على الحفاظ على الأمن الاجتماعي والاستقرار السياسي وعدم دفع البلاد إلى آتون الاضطرابات والاحتراب والتجزؤ وتكون المعلومة والخبر المعارض الذي ينشر للمواطن سليماً وصحيحاً وصادقاً وتبتعد الأحزاب والمنظمات عن الجهوية والقبلية والعائلية متمسكة بقيم الأمة وثوابتها فإنها بذلك معارضة وطنيه ولاؤها للوطن .
الصحفي والمثقف والمؤرخ وكل حسب عمله واختصاصه عندما يكونوا مسئولين عن أرائهم وأقوالهم وأفعالهم ، لا يثيرون الضغائن ولا الحقد ولا يشيعون الفوضى بين الناس إنما ينتقدون الخطأ ويكافحون مظاهر السلبيات ويعززون الإيجابيات ويغرسون قيم الولاء الوطني في النفوس فإنهم يقومون بعملهم وواجبهم لخدمة الوطن .
عندما يكون رأس المال الوطني ينفق أمواله داخل الوطن بمشاريع استثمارية ويقدم للأسواق سلع نظيفة لصحة السكان والبيئة فيحرص على وطنه كأنه مسكنه فذلك هو الولاء .
عندما يكون العالم والمرشد وخطيب المسجد يمارسون عملاً توعوياً للمجتمع ليرشدهم للابتعاد عن ما يضر الناس أفراداً وجماعات من جراء أعمال الإرهاب الذي يقوم به أفراد تحت عناوين أسلامية يقتل فيه الأبرياء وتتضرر بفعله معيشة المواطنين ويعطل الاستثمار ويفضي إلى نتائج كارثية في ارتفاع معدلات البطالة والفقر فإن ذلك ليس فقط ولاءً للوطن ولكنه قبل كل شيء ولاءً لله .
من ينمي شعور الولاء للوطن .
1-الدولة بمؤسساتها .
لا ريب أن الدولة بمؤسساتها ( التنفيذية ، التشريعية ، القضائية ) هي من ينمي مفهوم الولاء الوطني في نفوس وعقول الخاصة والعامة من المواطنين وتجسيده عبر العديد من الممارسات والأعمال التي تشد المواطن إلى الدولة ومؤسساتها سواءً كان ذلك في المعيشة أو الصحة أو التربية والتعليم وغيرها وغرس الولاء في الناشئة من التلاميذ والشباب فيكون الولاء من الأسرة فالمدرسة فالوزارة ثم المحكمة والبرلمان الخ...
الدولة مسئولة عن إقامة العدل وحكم القانون وتكافئ الفرص لجميع أبناء الشعب سياسياً واقتصاديا واجتماعياً وثقافياً وهي مسئولة أيضاً عن توفير الأمن للمواطن ، على نفسه ، وحقه وعرضه ، في حله وترحاله ، فإن هذه المؤسسات بما تبثه للشعب من الوقائع الفعلية والإجراءات والإنجازات العملية في شتى المجالات تجذب المواطنين إليها طائعين محبين ومواليين لأنهم قد وجدوا مصداقية ما يقال من الأجهزة الرسمية على أرض الواقع وحصلوا على حقوقهم كمواطنين وبذلك سيكونوا حماةً للأمن والاستقرار وبناة للوطن مواليين له في السراء والضراء .
2- المعارضة بأطيافها
- إن الأحزاب السياسية المعارضة ومنظمات المجتمع المدني وعلماء الدين والمثقفين والصحفيين تقع على عواتقهم مسئولية عظيمة تجاه تنمية الشعور بالولاء الوطني لدى المجتمع ، فعندما يكون الخطاب الموجه إلى الجماهير معززاً لحب الوطن ومحافظاً على سمعته وعلى كيانه ووحدة أرضه وعلى أمنه واستقراره ، فإن تلك الممارسات ستكون أمثالاً جيدة يحتذى بها المواطنون خاصة عندما تكون المعارضة منطلقة من وسط شعبها ومن طموحاته ومن تطلعاته ، لا تعتمد في معارضتها على الدعم الخارجي وعلى النفاق السياسي الذي يسوق هنا وهناك دون مراعاة لمشاعر المواطنين الذين ينظرون إلى مثل تلك التصرفات نظرة إزدراء كونها تقلل من شأنهم لدى الأخرين فخطابها سيكون مسموعاً لأنه خالص للمصلحة الوطنية ، فالاعتزاز الوطني والكرامة الوطنية تملي على الجميع أن يستمدوا قوتهم من شعبهم لا من الأخرين خارج الحدود من الذين حولوا كثيراً من البلدان إلى ساحة صراع لمصالح إقليمية ودولية تدفع ثمنها الشعوب ولا يحاسب من جرائها السياسيين الذين كانوا أطرافاً في تسهيل مثل تلك التدخلات ضد بلدهم هو تحصين للمجتمع بحيث لا يستطيع غازي بأي صورة من الصور أن يتدخل في شؤونه ليبث الفرقة والخلاف بين أبنائه لأنه لا يجد له منفذا ، هذا هو الطريق الوطني المخلص النظيف من دنس الأموال المشبوهة التي أوصلت البلاد إلى مراحل خطيرة هددت كيانه ووجوده فعمل مثل هذا يجعل رسالة المعارضة في أوساط الناس مسموعة وذو قيمة ومصداقية ما عداها فإن النتيجة هي إعطاء نماذج سيئة لا تعزز الولاء إنما تخربه وتسفهه .
3- التربية بمناهجها .
الولاء عندما يغرس في العقول منذ الصغر أجدى من غرسه في الكبر لذلك فإن من واجب التربويين وضع مناهج تستوعب ذلك ولكن ليس بحشوها بصياغةٍ إنشائية وكلامية وكفى .
الولاء لا يستقر في العقول والقلوب من كلام يكتب في الكتب إنما يأتي من باب توجيه النشء وتعليمهم ابتداء بروضة الأطفال وحتى مراحل التعليم الجامعي في حب المكان والتعلق به وحب الأهل وخلق الأمل في النفوس نحو المستقبل باعتبار أن الوطن هو من سيحقق لهم طموحاتهم ويوفر لهم الاستقرار والأمان .
هذا يحتاج إلى جهد عملي يتمثل في ما يقوم به التربويون والمعلمون من نماذج متميزة في أعمالهم وفي بيئتهم المدرسية وفي سلوكهم بصفة عامه ، يأتي ثماره ليس من قاعات الفصول الدراسية وحسب وإنما أيضاً من معايشة التلاميذ للواقع والتفاعل معه وتدريبهم بطرق وأساليب فاعلة للمحافظة على الأملاك الخاصة والعامة ، في الحديقة والشارع والمدرسة ، في الوزارة والمصنع والمتجر والمستشفى وغيره.
من تعليمهم كيف يتعاملون في الشارع مع إشارات المرور ومع المارة وأن يتم إطلاعهم على تاريخ بلادهم من خلال زيارة المتاحف والآثار وتدريبهم على فهم طريقة التعامل مع هذه الأشياء وتحبيبها إلى نفوسهم وتحويلها إلى متعه في دراستهم ، ذلك هو أجدى وأنفع لربط ما هو نظري بما هو عملي ، فشروط وضع المناهج ومواصفات المدرس والمرشد بحاجه إلى إعادة النظر للموائمة بين الدروس النظرية والعملية وهذه الأمور لا ريب أنها حاضرهٌ في أذهان المعنيين في جهاز التربية والتعليم ولكن ما هو مطلوب هو تطويرها والمثابرة لتفعيلها على أرض الواقع لتأتي أكلها .
إن الغش في الاختبارات في بعض المرافق التعليمية مثلاً هو أخطر عمل ينبغي أن يقف أمام هذا السلوك المنحرف المدرسون والإداريون بصرامة ودون هوادة فمن شأنه إضعاف الولاء الوطني بين التلاميذ وطلبة المدارس منذ الصغر ، لأن ذلك السلوك السيئ يفتح الأبواب واسعة في ذهن التلاميذ لعمل أي شيء في المستقبل من مخالفة قوانين البلاد والعبث بمقدراتها ومكتسباتها دون اكتراث ، فعلى سبيل المثال سرقة الآثار وبيعها خارج الوطن أو العبث بها وتحطيمها في مواقعها فلو أن التلاميذ والطلبة قد تزودوا بزاد الولاء للوطن لما هان عليهم أن يروا سرقة أثار بلادهم وتهريبها خارج البلاد والعبث بها في مواقعها دون القيام بأعمال تحيل دون هذه الأفعال الخطيرة ، وخاصة أن المدارس والطلاب منتشرون في كل أرجاء البلاد وقد درسوا أهميتها في تاريخ بلادهم .
إن موضوع دور التربية في الولاء الوطني هو في غاية الأهمية ( فالتعليم في الصغر كالنقش في الحجر ) كما يقول المثل وبنفس الأهمية لو استطاع التربويون والمدرسون الوصول إلى أفئدة وعقول التلاميذ منذ الصغر مستوعبين ما يلقنون في المدرسة لمنعوا الإرهابيين من تجنيد الأطفال لأعمال التخريب والدمار لوطنهم وهم لا يعلمون ماذا يفعلون .
كيف نوالي الوطن وليس لدينا عمل أو سكن
هذا هو ما يطرحه البعض تحت طائلة الأزمة الاقتصادية والضرورة الملحة للحاجة من أن الولاء لا يأتي إلا من باب الحقوق تتبعه واجبات وهذا في حقيقة الأمر هو تبسيط لمفهوم الولاء الوطني لأنه لا يرتبط بحكومة ولا بأشخاص ولا بأزمات اقتصادية ولا بمصالح آنية لأن ذلك زائل والوطن هو الباقي فلا يصح الجمع بين شيئين مختلفين الولاء والحاجة ، هل أهل بيتك وأفراد عائلتك لا تواليهم إذ هم لم يوفروا لك متطلبات معيشتك واستقرارك وهم ليسوا قادرين على ذلك ، هل يعقل أن يقول الأخ لأخيه ليس هذا أخي والابن يقول لأبيه ليس هذا أبي لأنهم لم يوفروا له العيش الرغيد إنه ضرب من الجنون ، لقد دفع المناضلون أرواحهم ودمائهم في سبيل وطنهم دون أن ينتظروا مقابل ذلك شيء مادي وتاريخ اليمن مليء بتلك الشواهد العظيمة قديماً وحديثاً , ولو أن الأوطان تحسب بهذه الحسبة المتواضعة لتلاشت بلدان عديدة و اختفت من الخارطة ولا ما أقدم أحد على التضحية بروحه فداء للوطن وقد غدا لديه مجرد محطة للأكل والسكن .
بحب الأوطان عمرت البلدان*
هل يكون الولاء الوطني اليوم بوابة الإصلاح والنهوض التنموي ؟ أعتقد أن ذلك من وجهة نظري هو مدخل أساسي لإقامة تنمية اقتصادية واجتماعية تستوعب العاطلين وتوفر الاحتياجات الضرورية للمحتاجين .
فحب الوطن معناه تنمية الشعور لدى المواطنين لمحاربة أشكال السلبيات وعلى رأسها الإرهاب والفساد ، التي تعطل التنمية وتعيق المسيرة سواءً كانت في أوساط المجتمع أم في أجهزة الدولة فإذا وجد لدى الناس وعي وحرص على مقاومة ما هو مخل بالمصالح العامة كالاضطرابات والاحتراب والإرهاب ومحاصرة الفاسدين أينما وجدوا ، فإن ذلك يخدم التنمية ويدفع بالبلاد نحو مستقبل آمن .
• السياحة
هناك أمثلة عديدة كيف يكون الولاء الوطني تنمية اقتصادية وقيمة حضارية ، كانت البلاد في السنوات الماضية مزاراً للعرب والمسلمين والأجانب يأتون لمشاهدة جغرافيتها الفريدة وتاريخها العريق وتراثها المتنوع والمجيد لمشاهدة مساجدها ومدنها وعمرانها ، كان السياح يأتون من كل مكان ليتمتعوا بشواطئها وجزرها وخلجانها صارفين الملايين من الأموال بما يرفد الاقتصاد الوطني بالعملة الصعبة ويوفر فرص العمل للعاطلين وغيرها .
ما الذي جرى ؟ كان الإرهاب بأشكاله المختلفة بالمرصاد فماذا جنت البلاد سوى الحرمان من رفد اقتصادها بالعملة الأجنبية وفقدان سمعتها الدولية وقلة الداعمين لتنميتها فتأثرت بفعل تلك الأعمال قطاعات الخدمات وقطاع الإنتاج وأدى إلى ما أدى إليه .
ولو أن المجتمع كان هو الحارس الأمين لما أستطاع إرهابي أن يقوم بما قام به لأن العيون والأذان ستمنعه من الإقدام على مثل تلك الأعمال الغريبة عن المجتمع والدين ، الضارة بسمعة البلاد واقتصاده ووحدته هذه واحدة من دور الولاء الوطني في الظروف الاستثنائية .
الاستثمار والمستثمرين
اليمن بلد فقير وأجمع كل الاقتصاديين والسياسيين أن مشكلة الفقر باليمن والحد من البطالة وغيرها ليس له طريق للحل سوى الاستثمار المحلي والعربي والأجنبي خاصةً أن البلاد تتمتع بميزات استثمارية كبيرة سواءً في أرضها أو بسكانها ولم تستعمل هذه الميزات لصالح التنمية ووصل الاستثمار فيها إلى درجة متدنية وضعيفة بسبب التخريب الإرهابي ( القبلي والسياسي والأيدلوجي ) من جانب والفساد الإداري والمالي من جانب أخر فلو أن المجتمع قد تحول إلى رأي عام لمنع المفسدين في الأرض من أعمالهم تلك وقدم اليمنيون مثلاً رائعاً في هذا المجال لتوطن الاستثمار في البلد وحلت كثير من المشاكل .
هل الذي يحصل الآن في ساحة البلاد من الاضطرابات والقتال والمناكفات السياسية والحروب الكلامية وغيرها يساعد على التنمية والتغلب على أثار الأزمة الاقتصادية أم أن هذه الأحداث ستزيد الأزمة إستفحالاً والاقتصاد تردياً ليشمل قطاعات اجتماعية واسعة فتزداد مساحة الفقر وقلة الخدمات وتدني مستوى الدخل وبالتالي زيادة الإنفاق المالي على الأمن الذي كان من المفترض توجيهه نحو التنمية .
الولاء الوطني في هذا المقام هو الذي يستطيع إخراج الوطن من ساحة اللعب بالنار إلى ساحة المعالجات للمشاكل القائمة ، إن المخلصين الموالين للوطن هم القادرون اليوم على كبح جماح الفوضى وتحويل الرأي العام صوب التوجه لإخراج البلاد مما قيل أنه النفق المظلم الذي صنعته جميع الأطراف وفي هذا المقام يجدر التأكيد أن الدولة بمؤسساتها معنية اليوم أكثر من أي وقت مضى على معالجة الإختلالات في الجهاز الإداري بجدية وبإجراءات تؤدي إلى نتائج عملية وسوف يساعدها في ذلك رأي عام مستنير ومتوقع لمثل هذه الخطوات في الظروف الراهنة أن تتم ليبرهن الجميع سلطة
ومعارضة أن الأزمات مهما كانت تظل مسئولياتهم تجاه الوطن أهم بكثير من الاختلاف وهذا هو العقل الرشيد الذي يرجوه جميع اليمنيين فالوطن كسفينة في البحر مطلوب أن يحافظ عليها ربانها وراكبها .
" أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم " صدق الله العظيم
صورة يوسف الأية 109
23/4/2009م
1- - المعجم الوسيط صــ1058 جـ2
2 - فرنسا ومسار العولمة
حوار مع دومينيك مونيزي ( ترجمة مؤسسة طلال بن عبد العزيز دار النهار للنشر _ بيروت _ طبعة أولى _ نيسان 2001م )
*من كتاب المحاسن والمساوئ للبيهقي
*رئيس دائرة الثقافة في المؤتمر الشعبي العام