اليمن والذى حدث: قصة (الشوك ..والعنب)!! الإلمام بالأوضاع في اليمن ليس سهلاً تبعاً لتداخل ملفات، وتقاطع اتجاهات، وتبدُّل المواقع والمواقف، وطروء تغيرات عميقة وعاصفة على خارطة التحالفات السياسية، وبالتالي على خارطة طريق ومسار الأحداث وتداعياتها المتعاقبة توالياً.. خلال فترات زمنية مُتقاربة نسبياً، من الضد إلى الضد.. وخصوصاً خلال الأعوام الأربعة الأخيرة. بقدر من الموضوعية التحليلية والمنهجية، فإنه يمكن القول، إن الأحداث والأزمات التي بدأت عملياً في اليمن مطلع 2011م، وتستمر تصاعداً وتواتراً إلى اليوم المعيش، تعود بجذورها القريبة وعلى مسافة مرئية من سطح التربة السياسية، إلى أربعة أو خمسة أعوام سابقة عليها، وتحديداً إلى فترة الانتخابات الرئاسية في سبتمبر 2006 وما بعدها. حيث بدأت تتشكَّل وتخرج إلى العلن مشاريع سياسية تجاهر بالعنف والصدام، وتتبنى فعلياً منهجية التقويض وإسقاط النظام عبر تحريك مياه الشارع وتوجيهها على غرار الثورات الملوَّنة والتي بلغت ذروتها في نسختها العربية بمشروع الفوضى المنظمة أو الخلاقة، كما صاغتها أولبرايت أولاً، ثمَّ كونداليزا رايس، وصولاً إلى هيلاري كلينتون، التي تولت إطلاق مشروع الربيع العربي القارس والخريفي مقدمات ونتائج. كان القيادي في إخوان اليمن، والرأسمالي حميد الأحمر، وعقب شهر واحد، فقط، من انتخابات 2006 الرئاسية، يخطب في الضالع، وعقبها في محافظات جنوبية، وصولاً إلى مكلا حضرموت، وفي مقر الحزب الاشتراكي اليمني ذاته، حول تحريك الشارع لإسقاط النظام (المنُتخَب ديمقراطياً في انتخابات شفافة وساخنة خاضها الأحمر والإخوان والمشترك وراء مرشحهم فيصل بن شملان - يرحمه الله). وبالتزامن، وبداية من 2007 حرك الإخوان أذرعهم المختلفة باتجاهات مختلفة ولغاية واحدة، حيث بدأت توكل كرمان، المدعومة منظمتها أمريكياً وأوروبياً وقطرياً، باستقطاب الشباب والناشطين إلى دورات وورش، قبل أن تُقْدِمَ على تنظيم اعتصام أسبوعي محدود أمام مجلس الوزراء بصنعاء كل ثلاثاء، وكان هذا هو البروفة الأولى لما نفذته لاحقاً بالانتقال إلى المسيرات وتحريض الشارع ثم الاعتصامات المفتوحة في الساحات، وبالتزامن مع تحرُّكات الربيع الهدَّام والفوضى الأمريكية المنظمة في أكثر من بلد عربي. في 2009، كما تحكي وتكشف وثائق وتسريبات ويكليكس، كان حميد الأحمر يبلغ الأمريكيين في مقر سفارة واشنطن بصنعاء حول الهدف الأخير، والعزم المتبلور، خلال العامين الماضيين، على إسقاط النظام عبر تحريك الشارع، على غرار ما حدث في أندونيسيا، وأقرَّ بأن الأمر سوف يكلف دماءً كثيرة، لكنه لم يمانع في سبيل الهدف! وبالترافق مع هذا وذاك، كان اللقاء المشترك، التكتل الحزبي الخاضع لنفوذ وسيطرة إخوان اليمن - حزب الإصلاح- يُصعِّد الضغوطات والتحرُّكات السياسية باتجاه السلطة والنظام الحاكم، وأفشل وأحبط لقاءات واجتماعات ومفاوضات متعاقبة للحوار الوطني مع المؤتمر الشعبي وحلفائه. لم يأتِ 2011 حتى كان الجميع على موعد مُقر سلفاً للالتحام معاً في تحرُّك انقلابي واضح المعالم، والتقوا في الساحات والشوارع، وعطلوا الحياة والخدمات والمجال العام، تحت يافطة التغيير الذي أطلقته فوضى الربيع الهدَّامة. ويومها كان الرئيس علي عبدالله صالح حاضراً في الموعد نفسه؛ لإطلاق توصيفه الشجاع والجريء والمفاجئ لكثيرين، حيث وصف «الربيع الأمريكي الصهيوني الهدَّام». بالتأكيد، هناك غير المشار إليهم بالصفات والمواقع أسماء وجماعات، وهم كُثر، لكن هؤلاء يمكن اعتبارهم أعضاء مجلس قيادة غير مُعلنة لانقلاب مُعلن في الشارع وعبر الإعلام.. وتولت، بدرجة رئيسة، شبكة الجزيرة القطرية الرعاية الرسمية لعصابة الثوار الجدد أو الكهول الذين يمثلون ثورة الشباب (!!) وجدير بالتذكير، أن القائمة السابقة يتسيَّدها اللون الواحد لإخوان اليمن، والبقية استخدموا ككومبارس ومكمّل ديكوري في الواجهة، فلم يكنْ خافياً على أحد، أن الإصلاحيين استحوذوا على شركاء اللقاء المشترك الذين انخرطوا في مالية حميد الأحمر من جهة، وفي تبعية الهيئة العليا وأمانة الإصلاح من جهة ثانية، حتى كانت البيانات الرسمية للمشترك تصدر في مكاتب الدائرتين: السياسية، والإعلامية للإصلاح، وربما لا يعرف بها بعض قيادات وأحزاب المشترك إلا بعد صدورها ونشرها بيوم أو يومين، كما تندَّر ناشطون وسياسيون يمنيون مِراراً. انصرف الإخوان في اليمن، ومن معهم بالتبعية، إلى تطبيق وإعادة تنفيذ تجارب وممارسات تنظيم الإخوان في غير بلد عربي، بداية من تونس فمصر وسوريا وليبيا. وبالتأكيد، وكما حوسب أولئك فلن يفوت الشعب اليمني محاسبة هؤلاء. وبعضهم قد فرَّ عملياً للخارج، والبعض الآخر ينتظره الحساب لا محالة... أو الفرار. لم ينسَ ولن ينسى اليمنيون معاناتهم الطويلة والمستمرة من وراء الاعتداءات التي طالت الشبكة الوطنية لمنظومة الطاقة، عبر تنفيذ ضربات متلاحقة، ومن بداية الأزمة، ضد خطوط الكهرباء والنفط والخدمات الأساسية. كل شيء كان منظماً ومُعداً ضمن خطة أشمل لتقويض النظام والمؤسسات، وإن كانوا سوف يبالغون في استثمار هذا فيلصقونها بالنظام، زيادة في التحريض والاستهداف الممنهج. كما طالت الاعتداءات والاستهداف المنظم مؤسسية ومؤسسات الدولة والحكم والحكومة والسلطات المحلية. على أن الأفدح والأخطر والأسوأ على الإطلاق هو استهداف المؤسسة العسكرية والأمنية اليمنية بداية من أعلى رأس الهرم فيها، قوات النخبة اليمنية الحديثة الحرفية والمهنية المتطورة والأنموذجية ممثلة في القوات الخاصة، والوحدات الخاصة، وألوية قوات الحرس الجمهوري اليمني، التي أخذت مرتبة متقدمة جداً في تصنيف الجيوش سواءً في الشرق الأوسط أو عالمياً. باسم الهيكلة، باشر ونفَّذ نظام المبادرة الخليجية، الذي التف على المبادرة وآليتها المزمَّنة، ما أسماه برنامج إعادة الهيكلة للقوات المسلحة والأمن. وانتهى البرنامج إلى تفتيت وإضعاف وخلخلة كامل البنية المادية والمعنوية للجيش والأمن في اليمن. هذه تعتبر من أسوأ وأخطر أهداف الإخوان الذين حققوها، بفضل تحالفهم مع عبدربه منصور هادي في المرحلة الأولى من تحالفاته المرحلية التي أخذت بسياسة ضرب القوى ببعضها مرحلياً. وتزامناً مع الهيكلة وإضعاف الجيش والأمن، تكاثرت حوادث وجرائم الاغتيالات النوعية الممنهجة، مستهدفة كبار وخيرة الخبرات والقيادات العسكرية والأمنية والاستخباراتية في اليمن. ناهيكم عن وجبات دم ومذابح جماعية من ميدان السبعين إلى مجمع الدفاع (العرضي)، إلى مقار قيادات المناطق العسكرية في المحافظات، إلى سقوط الدولة برمّتها في يد تحالف مراوغ ومخاتل مع أنصار الله الحوثيين، هرع إليه عبدربه منصور قصد التخلص من علي محسن الأحمر، وأولاد الأحمر، ومن سيطرة الإصلاحيين عليه، وهم حلفاؤه السابقون الذين استخدمهم وتحالف معهم لتصفية المؤتمريين وإضعاف المؤتمر الشعبي العام والتخلص من صالح ومحاولة التخلص من النظام السابق الذي كان ولا يزال جزء أساسي منة ، والفت في عَضُد القوات المسلحة والأمن كهدف مزدوج لهادي وللإخوان تحت ذريعة وتهمة «النظام السابق»، دون أن يحرّك الرُّعاة للتسوية اليمنية ساكناً، ودون إصغاء إلى أصوات وتحذيرات العقلاء من خطأ وخطر التصفية المجنونة لمؤسسات وأجهزة وإمكانات الدولة ونظامها السياسي والنظام العام بتهمة النظام السابق، وليقع المحذور أخيراً، حيث أدى مخطط الاستهداف لبنية وقوة وروح وأجهزة النظام وتقويضها إلى تقويض النظام ككل، ومن الطبيعي، إذاً، أن تحل الفوضى مكانه. هذا ما حدث تماماً، وبدون تعقيدات وتهويمات ومحاولات بائسة وغريبة ومريبة إلى صرف الأنظار عن الحقيقة ببساطتها ووضوحها، وتركيب روايات وتفسيرات أقل ما يُقال عنها أنها عقيمة وعديمة المصداقية وتفتقر تماماً إلى أبسط مُسَلمات الموضوعية والمنهجية والتحليل السواء، المنطقي أو الموضوعي، حيال الأحداث وتتابعيتها وصولاً إلى النتائج وكارثيتها البارزة على ساق. ليس سراً أن هذه هي الحقيقة التي تعرفها وتقر بها أجهزة الاستخبارات والرصد التابعة لدول إقليمية وغربية في اليمن، لا بل وتعرفها، أيضاً، دوائرها السياسية والدبلوماسية، ولكنها تكابر وتتهرَّب من قراءة الواقع بعيون الرائين وتفضل بدلاً من ذلك القراءة بعيون المرائين، وفي تقارير ومراسلات وشكاوى رئيس بلا شرعية شعبية ودستورية، وطاقم محدود من المستشارين الانتهازيين الذين ليس لهم وزن اجتعي او سياسيى وعملهم فقط هو اثارة الفتنة والدسائس والخديعة ، ومن المقربين العابثين بمقدرات الدولة ومساعدات الخارج لليمن المالية والنفطية، والذين كرَّسوا، عن حق وحقيقة، حالة فجَّة ومهينة من حالات النظام العائلي الأسري الاستحواذي، المسكون بروح انتقامية تخريبية، تعيد إلى الأذهان تلك الروح التي بلغت ذروة دمويتها في يناير 86 بعدن جنوب اليمن. فالنزعات المرضية الجهوية والمناطقية والقروية، وحتى الطائفية، هي السِّمة الأبرز والأسوأ لنظام وصُنَّاع يناير 86 كما هي أيضاً تتكرس اليوم عبر نزوعات انفصالية تمزيقية وفوضوية وجهوية على يد نظام بلا شرعية، يستند في خلفياته التاريخية إلى يناير الأسود. وليست مصادفة أبداً أن يتبنى نظام كهذا برامج الهيكلة التفتيتية من الجيش والمؤسسات إلى البلد ككل. فالتمزيق والتشطير يتهدد اليمن بواسطة وبأيدي سلطة الأقلمة، التي تتبنى دعم وتمويل الحراك الانفصالي والقاعدة بواسطة أموال الهبات والمساعدات الخارجية، وهو ما بات يعرفه المانحون جميعاً، والخليجيون على وجه الخصوص. فقد قالت سفيرة بريطانيا، الأسبوع الماضي، إن المانحين لن يدفعوا مجدداً أية أموال للثقب السود في اليمن، في إشارة إلى السلطة التي توالت فضائحها في اختلاس ونهب أموال وأرصدة المساعدات الخارجية التي تذهب مباشرة إلى بيت الرئيس وتحت تصرف نجلة وحاشيته بدلاً من الذهاب إلى البنك المركزي ووزارة المالية أو الخزانة العامة. وكشفت مصادر يمنية ودولية، الأسبوع الماضي، في صنعاء، عن تصرُّف الرئيس ونجلة بمبلغ 250 مليون دولار دفعتها قطر لصندوق العائدين والأراضي في المحافظات الجنوبية. وقبلها، بأسابيع قليلة، ظهرت إلى السطح فضيحة السطو الرسمي الرئاسي على مبلغ 450 مليون دولار مساعدة سعودية لصندوق التنمية الاجتماعي، وحالات الضمان الاجتماعي للفقراء في اليمن. وحالات كثيرة غير هذه تتكدس شواهدها ووثائقها على مكاتب السفراء والرُّعاة الذين يصرون، بطريقة عجيبة وغريبة جداً، على ترك الحقيقة جانباً ووثائقها وملفاتها، وترديد هراء ودسّ وشكاوى عبدربه منصور، واتهاماته الصبيانية، كما وصفها دبلوماسي غربي، ضد الرئيس السابق نجلة وأقاربه وقيادات حزبه المؤتمر الشعبي العام. حتى ليندهش المراقب كيف تتعامل الدول الراعية مع الملف اليمني؟ وصولاً إلى تبني قرار عقوبات عقيمة دولياً إرضاءً لرغبة رئيس انتهت ولايته وأسس في ثلاث سنوات من رئاسته لكل هذه الفوضى والفلتان واللادولة في اليمن وهذا يعتبر اهم إنجازاته ؟؟ وفي السياق نفسه، كم يدعو للغرابة ويبعث على الشك والريبة، أن يظل مسئولون وسفراء في الدول الراعية للتسوية يرددون عبارات مطاطية ومستهلكة، حول ضرورة تنفيذ أو استكمال تنفيذ المبادرة والآلية التنفيذية المزمّنة، وهم الذين يعرفون أن المبادرة المزمَّنة مدتها عامان تنتهي في فبراير 2014 ونحن على مشارف 2015م؟؟ كما يعرفون، ويعرف العالم بأجمعه، أن الرئيس الانتقالي الذي يتواطؤون له أو معه أو لرغباته انتهت ولايته الشرعية وفقاً للمبادرة والآلية في فبراير 2014. فعن أية مبادرة وآلية يكررون الكلام ويرسلونه على عِلاته؟؟ تطورات وتغيرات عاصفة حدثت على الأرض في اليمن خلال العام الذي شارف على الانتهاء 2014، ودخول حركة أنصار الله (أو الحوثيون) في المشهد اليمني كلاعب أول ومؤثر في الأحداث، وتراجع مستويات الحضور والفاعلية الشعبية والسياسية لجماعة الإخوان المسلمين - حزب الإصلاح- وبالتبعية لها أيضاً تراجع القيمة السياسية لتكتل أو تحالف اللقاء المشترك وهوا تجمع لأحزاب صورية وظاهرة صوتية لا قواعد ولا كوادر في سوق الأحداث وبورصة الواقع اليمني الذي يعيد تشكيل نفسه وفقاً لمعطيات جديدة فرضت نفسها بقوة الأمر الواقع، كما هي أيضاً فرضت نفسها بقوة الاستقبال الشعبي والرضا لدى أوساط وعامة الناس والمواطنين الذين بحثوا وتطلعوا إلى أنصار الله كمخلص وبديل يزيح عن كاهلهم عَنَت وعبث وظلم وضيم الإخوان وهادي والحُمر جميعاً. تحالف هادي ووزير دفاعه السابق محمد ناصر مع أنصار الله، أوصلهم تباعاً إلى مروراً بدماج صعدة، وحاشد، وعمران صنعاء،، وذمار ورداع والبيضاء واب وتعز والحديده وصولا الي بقية المحافظات هذا ليس من الأسرار، ولا يتوقف عندها عاقل أو يفر من مواجهة الحقيقة بكل بساطتها وصعوبتها معاً. لكن هادي وحلفاءه السابقين إلى وقت قريب من الحُمر والإخوان، والذين هيكلوا الدولة والمؤسسات والجيش والأمن والبلاد أيضاً، بمعنى الإضعاف والإنهاك والتشتيت والتشريد، هم اليوم عرضة لهيكلة من نوع آخر وعلى أيدي أنصار الله الذين يأخذون وقتهم ودورهم، و«ياذي زرعت الشوك ما تحصد عنب»، كما تقول كلمات أغنية شعبية في اليمن!!. عن الديار |