|
الوضع الإنساني في اليمن ..مدن تعود إلى عصر ما قبل النفط بفعل العدوان السعودي على الضفة الشرقية لجزيرة منهاتن في واحدة من أكثر مدن العالم عصرية اجتمع في مبنى الأمم المتحدة بنييورك في الولايات المتحدة الأمريكية مندوبي الدول الأعضاء الخمس عشرة ليصدروا بالإجماع، عدا تحفظ روسي، القرار (2216) في الرابع عشر من إبريل الماضي، مساندا عدوان التحالف العربي بقيادة مملكة النفط السعودية على واحدة من أفقر دول العالم، اليمن. وفوق مواردها الشحيحة تضمن القرار بنودا لحصار يشمل ما هو قادم أو خارج من أو إلى مطاراتها وموانئها ليطبق مع قصف طائرات العدوان على مظاهر حياة اليمنيين. ومن الشارع الشرقي لمنهاتن، وفي صالة الاجتماعات الفاخرة بجدارية الفنان النرويجي "بير كروغ" التي ترمز إلى وعد السلام والحرية، كان بمقدور مندوبي أعضاء مجلس الأمن المصوتين على القرار، النقر في "جوجل أرض" وكتابة اليمن – صنعاء وتحديدا للهبوط في شارع الزبيري الذي يقسم العاصمة اليمنية إلى شطرين، شمالي وجنوبي، ليحاولوا معايشة، ولو رمزية، لوضع المدن اليمنية نتيجة قرارهم اللإنساني. شوارع تموت يعد شارع الزبيري أهم شوارع العاصمة اليمنية وأقدمها كما يقول مسنون من السكان، وعايش هذا الشارع تطور مدينة صنعاء على مدى عقود معطيا عنوانا بارزا لمسار محاولات انتقال صنعاء، والمدن اليمنية عموما، إلى عتبات المدن الحديثة. تقع على جانبي الشارع الذي سمي باسم أحد قادة ثورة اليمن قبل خمسين عاما، معالم الحياة الحديثة في اليمن من مراكز أهم المصارف بما فيها البنك المركزي، ومقار شركات الاتصالات الحكومية والخاصة، وبعض الوزارات والمؤسسات الحكومية، والعديد من الشركات التجارية متنوعة الأنشطة، ومكاتب وسائل إعلام، ومنظمات مدنية. وإلى ما قبل العدوان السعودي على اليمن في السادس والعشرين من مارس الفائت كان شارع الزبيري يعج بالحياة وازدحام المركبات والمارة، إلا أنه خلال واحد وأربعين يوما من القصف والحصار يعود إلى عصر ما قبل التدفقات النفطية، وتدريجيا يفقد مظاهر الحياة الحديثة، ليختزل المشهد الإنساني في بقية أنحاء مدينة صنعاء، والمدن اليمنية الأخرى. حصار النفط عانت اليمن على مر أزيد من أربع سنوات مرت أزمات خانقة في المشتقات النفطية نتيجة عدم قدرة مصفاتي عدن ومأرب على تغطية احتياجات الاستهلاك، بجانب مشكلات مالية في تسديد ثمن المشتقات المستوردة التي تغطي القسم الأكبر من الاحتياج المحلي، إضافة لأسباب تتصل باعتداءات على أنابيب النفط وتقطعات قبلية لصهاريج نقل المشتقات من المصافي والموانئ إلى المدن، غير أنه كان بمقدور شركة النفط توفير الجزء الأكبر من احتياجات قطاعات الخدمة العامة من مياه وكهرباء واتصالات ونظافة وكذلك المصانع. العودة في الزمن غياب المشتقات النفطية أسفر عن مشكلات أعاقت الحياة الطبيعية لليمنيين وأعادتهم عشرات السنين في أساليب الحياة، حيث تغرق المدن اليمنية –ناهيك عن الأرياف- في الظلام جراء خروج المحطة الغازية الوحيدة من الخدمة منذ أسابيع بسبب خراب طال خطوط نقل الطاقة في مأرب التي تقع فيها المحطة، وفشل هدنات توسط بها شيوخ قبائل، إلى جوار التوقف شبه الكامل للمحطات المتهالكة، العاملة بالديزل في صنعاء وعدد من المدن الرئيسية الأخرى. وفي العاصمة يصل التيار الكهربائي إلى المنازل لمدة تقل عن الساعتين كل يومين، أو ثلاث أيام على الأغلب. تقول الحاجة جميلة، مسنة من أهالي العاصمة: إنها عادت لغسل الملابس يدويا كما كانت تفعل قبل عشرات السنين نتيجة انقطاع الكهرباء. واضطر مواطنون ممن يمتلكون مولدات خاصة إلى تحويلها للعمل بالغاز المنزلي بديلا للديزل أو البنزين، الذي بدأ هو الأخر بالاختفاء نتيجة تقطعات لناقلات في مأرب وفقا لمصادر. يقول عمار الكبسي، أحد سكان صنعاء: "اضطررت لتحويل المولد للعمل بالغاز لانعدام البترول نهائيا". ومثل هؤلاء لجأ بعض مالكي المركبات إلى تكييف سياراتهم للعمل بالغاز بدلا من البنزين أو الديزل، غير انه وبعد الازدحام الشديد الذي يشكو منه سكان صنعاء قبل العدوان، تكاد تخلو شوارع العاصمة بما فيها شارع الزبيري الأكثر نشاطا من المركبات. وبات مألوفا طول انتظار الناس لوسائل النقل للوصول إلى مقار أعمالهم أو منازلهم، وأصبح اعتياديا صعود المواطنين على وسائل نقل البضائع المكشوفة في العاصمة وبقية المدن اليمنية، للحد من وطأة ندرة وسائل نقل الركاب. وفي صنعاء أغلقت عديد مخابز أبوابها، ليس فقط لشحة القمح، بل وكذلك لنفاد مخزوناتهم من مادة الديزل وضآلة ما تزودهم به شركة النفط من المادة اللازمة لتشغيل المخابز، واضطر آخرون من ملاك المخابز لاستعمال الحطب كبديل للديزل. يقول حميد الحيمي، صاحب مخبز :(لم يعد أمامي إلا أن أغلق الفرن وأعود للقرية أو أن استخدم الحطب الذي ارتفع سعره كثيرا). وليست مياه الشرب بأفضل حال من بقية مناحي حياة اليمنيين، فشبكة المياه العمومية وفق تقارير رسمية لا تلبي سوى احتياجات ثلث سكان العاصمة، فيما يعتمد أغلبهم على شراء المياه من الآبار الخاصة. وقبل أيام دقت مؤسسة المياه ناقوس الخطر محذرة من قرب نفاد مخزونها من مادة الديزل المشغلة لمضخات الآبار الحكومية، وهي ذات المشكلة التي تسببت في توقف مضخات آبار مياه خاصة. وانعكس ذلك على شحة مياه الشرب في منازل السكان، وارتفاع أسعار (وايتات) المياه التي تنقل الماء من الآبار الخاصة إلى البيوت، ما أدى بسكان من ذوي الدخل المحدود إلى إرسال أطفالهم بالقناني الفارغة (الدبات) إلى المساجد أو الآبار الخاصة التي مازالت عاملة، وهي عادة كانت مألوفة لدى اليمنيين في الأرياف قبل عقود، وعادت لتظهر في كبريات مدن اليمن. يقول الرجل الخمسيني أحمد محسن بعبارة تتخللها التنهدات " هم لا يحاصرون علي عبدالله صالح وعبد الملك الحوثي، هم يقتلوننا نحن، يقتلوننا ببطء، وبصورة أبشع مما تعمل طائراتهم". صنعاء، والمدن اليمنية، تدفن يوميا شهداء القصف، وفي شوارع هذه المدن وأحيائها يدفن اليمنيون، عقب قرار تعميد الحصار، جدارية وعد السلام والحرية التي تزين قاعة اجتماعات مجلس الأمن الدولي. |