![]() متى تفهم واشنطن الفرق بين هذين السؤالين..؟ تعرّض إدارة بوش نفسها لمخاطر مع تزايد عدد الأميركيين الذين يطرحون هذا السؤال: «ماذا نفعل نحن في العراق وأفغانستان؟» أكثر من طرح سؤال: «كيف هو عملنا في العراق وأفغانستان؟» ويمكن تلمس نقطة التحول الخطيرة هذه في استطلاع الرأي الذي نظمته واشنطن بوست مع محطة «أيه بي سي نيوز» خلال الأسبوع الماضي، وأتضح أن 52% من أولئك الذين شاركوا في الاستطلاع قالوا إن الحرب في العراق لا تخدم الأمن الأميركي، بينما قال 49% من المشاركين إنهم لا يؤيدون الطريقة التي عالج بها الرئيس بوش الحرب العالمية ضد الإرهاب. وعكست الاستفتاءات ذلك التغير في الرأي العام بينما أكد مسؤولون في البيت الأبيض ذلك بشكل سريع. لكن ذلك يعكس شعوري الخاص وقد ظللت أستمع إليه من سياسيين وناشطين في واشنطن وغيرها من المدن خلال الأسابيع الستة الأخيرة. ويجب التعامل مع هذا الاستطلاع باعتباره تحذيرا جادا للبيت الأبيض. والى ذلك فإدارة بوش تجادل بأنه يوجد في العراق وأفغانستان، وعلى أرض الواقع، ما يوجد سببا للتفاؤل إضافة إلى سبب أيضا للقلق، وهذا صحيح. لكن البيت الأبيض يفقد منطق الحجة مع الجمهور الأميركي حاليا، ولا يبدو أنه يفهم أسباب ذلك. فسؤال من نوع «كيف نحن نعمل» هناك، قد يتبدل بسرعة مع تغير الظروف وطريقة إدراك المعلومات التي تفرزها التغيرات. لكن طبيعة سؤال «ماذا نحن نفعل هناك» يتطلب تقديم إجابات ومواقف ملموسة. وقد لا تكون العراق هو النقطة المؤثرة على الحرب لأنها هنا في الولايات المتحدة. فالذي هز الدعم المطلوب للرئيس بوش ليس التصاعد الكبير في العنف ضمن النزاعين خلال الشهر الماضي، وإنما، وكذلك، ذلك القلق المتنامي في منتصف الطريق، بمعنى أنهم ما عادوا يثقون بالمعلومات التي تقدم لهم من قبل إدارة بوش، خصوصا من البنتاغون، حول المسار والتقدم المصاحبين لهاتين الحربين. فإدارة بوش قدمت نفسها باعتبارها دفاعية وشديدة التكتم مع صياغة القرارات، حتى قبل هجمات 11 سبتمبر 2001، فيما ظلت تستخدم التهديدات الأمنية الحقيقية التي يواجهها الوطن، لتوسيع وتعميق التكتم والحالة الدفاعية، ومن هنا فهي تدفع الآن ثمن هذا التصرف، وذلك في شكل فقدان ثقة الجمهور بها، بما في ذلك قابلية أن يعرقل الجهود الحربية. والى ذلك فقد أرغم الاخفاق في العثور على أسلحة الدمار الشامل في العراق الادارة على تأكيد المبررات الأخلاقية الواقعية تماما، والتي تشكل أساس قضية تغيير النظام، وهي القضية التي جادلت ووقفت معها عبر أربع ادارات متعاقبة. ولكن الأخلاقية الأميركية، وليس افتقار صدام الكامل والمؤكد لأسلحة الدمار، هي التي تصبح هنا هي القضية الأساسية، على الرغم من ان هكذا افتراض قد يبدو جائرا. وفي المقابل، ومن الكشف عن اساءة معاملة السجناء في ابو غريب، والى التزييف المروع لظروف الموت بنيران صديقة للاعب السابق للمنتخب الوطني لكرة القدم بات تيلمان في افغانستان، كان هناك افتقار خطير للمسؤولية والمساءلة المطلوبة تجاه الأكاذيب والأخطاء التي حدثت في القيادة العسكرية والمدنية. والى ذلك تم استغلال الكثير من التساؤلات حول النيات والأفعال الأميركية من جانب الأعداء، فيما جرى تضخيمها من جانب السذج. وتعتبر الادعاءات بشأن الاساءة الى القرآن مثالا حيويا على هذا. ويمكن القول هنا إن وزارة الدفاع على حق، عندما تقول انه في اطار معايير كل الحروب السابقة، تظل القوات الأميركية كثيرة الوساوس والشكوك. ولكن الطريقة التي تعتمد الممانعة دائما والتكتم والمنهج الدفاعي، والتي ردت بها الادارة على طلبات المعلومات، غالبا ما تعاملت مع تلك الطلبات باعتبارها نقدا لها، قد وسعت هوة المصداقية بشان سلوك الولايات المتحدة. وصحيح ان الكثير من نقد الرئيس بوش يأتي من أولئك الذين يحملون معاولهم للتهديم، ومن أولئك الذين عارضوا غزو العراق تحت اية ظروف، وسيتخذون الموقف نفسه دائما، بغض النظر عن مدى مساعدة ذلك للعراقيين، وتشكل هذه التذمرات «فوضى ثابتة التردد» فيما لم يعد بوش ومساعدوه يسمعونها. ولكن البيت الأبيض كان سريعا جدا في كسب المناصرة الجاهلة من بعض الخصوم والجهل المناصر من آخرين، ويمكن اعتبار ذلك الصبر ضروريا في كل الحروب، خصوصا في حرب غير متبلورة، وكثيرة المطالب من ناحية الوقت والجهد. وكل ذلك صحيح، ولكنه ليس القصة بأكملها، فالصبر في أوقات الشدة والخطر، ينبغي له ان يجنى عبر الزعامة والصراحة والإخلاص والمساءلة والمسؤولية في المستويات العليا، ومن هنا فاستطلاع الرأي قد لا يكون سوى صورة عابرة، ولكنه يمكن ان يرينا الطريق الذي نحتاج بالفعل الى رؤيته. |