|
|
الخليج - د. حسن مدن - شيء ما ...إيران تختار بين محمود أحمدي نجاد الذي فاجأ المراقبين بصعوده المدوي الى سدة الرئاسة في الجمهورية الاسلامية الايرانية وبين منافسه، الرئيس الأسبق هاشمي رفسنجاني، اثنان وعشرون عاماً. إنهما بهذا المعنى يمثلان جيلين مختلفين. فالرئيس المنتخب في التاسعة والأربعين من عمره، ولد عام 1956 لوالد حدّاد قرب طهران، درس النقل والمواصلات في جامعة طهران التي نال منها درجة الدكتوراه في هذا التخصص. قبل أكثر من ربع قرن، غداة انتصار ثورة الخميني على الشاه كان نجاد شاباً في مقتبل العمر، ولعب حينها دوراً في مساعدة الطلبة الثوريين المأخوذين بأفكار وكاريزما الخميني على احتلال السفارة الأمريكية في طهران، بعد ذاك انتسب طوعاً الى الحرس الثوري. إنها سيرة نموذجية لرجل خرج من عباءة الثورة الاسلامية وظلّ قريباً من شعاراتها الأولى، محتضناً من قبل أجهزتها الرئيسية التي تشكل معاقل لمن يعرفون ب “المحافظين”. حين صعد في العام 2003 الى منصب عمدة طهران لم يكن الكثيرون قد سمعوا به من قبل أو عرفوه، وحين رشح نفسه بعد عامين في الانتخابات الرئاسية الأخيرة لم يكن قد برز بعد كشخصية مرموقة، من هنا كان مصدر المفاجأة الكبرى حين احتل المركز الثاني بين سبعة مرشحين في السباق على الرئاسة في الدورة الأولى التي جرت الأسبوع الماضي، وظلّ الانطباع السائد حتى ساعات متأخرة يوم أمس أن الفوز المحقق في الدورة الثانية سيكون من نصيب هاشمي رفسنجاني رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام، ورئيس الجمهورية الأسبق. لكن جرت الرياح في اتجاه آخر حمل لإيران وللعالم كله المفاجأة بفوز نجاد. كان الظن أن إيران التي صوتت مرتين بأغلبية ساحقة للرئيس محمد خاتمي، الرجل المعتدل، المنفتح الذي يحظى برضا وقبول في الخارج لن تقبل العودة مجدداً الى القبضة التامة للمحافظين، وطالما أن الحظ لم يسعف أحداً من المرشحين الاصلاحيين ببلوغ الجولة الثانية من الانتخابات، فإن الكفة سترجح لمصلحة الثعلب، وهي الصفة التي تطلق على رفسنجاني، بل إن المرشح الاصلاحي مهدي كروبي الذي حلّ ثالثاً في الجولة الأولى حض مناصريه على ألا يسمحوا لنجاد بالوصول عبر دعمهم لرفسنجاني: “لا تفقدوا الأمل، أدلوا بأصواتكم، وإلا فإنهم سيأتون بنظام طالبان إيراني، فالمتطرفون قادمون”، هكذا قال، ومثله فعل الرئيس المنتهية ولايته خاتمي وإن بكلمات أقل مباشرة وتحديداً.
لكن مكر الثعلب انهزم، جزء من قاعدة الاصلاحيين الذين يئسوا من آفاق التغيير بعد ولايتين متتاليتين لخاتمي لم يتمكن خلالهما من اختراق السور الحديدي المحافظ، اختاروا البقاء في بيوتهم، فانخفضت نسبة المشاركة في الجولة الثانية من 63% في الجولة الأولى الى 47% في الجولة الثانية. ونجاد الذي خاطب الطبقات الفقيرة المعدمة التي تعاني من البطالة وتنظر بغضب الى الثروة الكبيرة لرفسنجاني وجدت في المرشح الفائز أملاً أكبر لم يجرب بعد. البرنامج الاجتماعي المحافظ لنجاد الذي أغلق بصفته عمدة طهران الكثير من مطاعم الوجبات السريعة وحث الرجال على إطلاق لحاهم وعلى لبس الأكمام الطويلة في الأماكن العامة صادف هوى أكثر في نفوس المحافظين وقاعدتهم الاجتماعية. ورغم أن المرشد الأعلى للثورة آية الله علي خامنئي صرّح بأنه يقف على مسافة واحدة من المتنافسين الاثنين في الدورة الثانية، لكن مهدي كروبي قال: إن أحد أبناء المرشد كان ضمن الفريق العامل في حملة نجاد وإنه ساعده كثيراً مستخدماً نفوذه.
الغرب معني كثيراً بأمر الملف النووي الايراني الذي بدا نجاد متشدداً إزاءه في حملته الانتخابية، لكن هذا الملف هو آخر ما يهم المواطن الايراني البسيط في القرى المعدمة ومدن الصفيح. لقد صوت الايرانيون للرجل الذي بدا ببساطته يشبههم، وبوعوده الانتخابية عن تحسين أوضاعهم باعثاً على أمل فقدوه أو كادوا، في نهاية المطاف فإن لقمة العيش في الميزان الانتخابي أهم كثيراً من القنبلة النووية التي قد تكون فزاعة ووهماً أكثر مما هي حقيقة.
|

|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
تعليق |
إرسل الخبر |
إطبع الخبر |
RSS |
حول الخبر إلى وورد |
معجب بهذا الخبر |
انشر في فيسبوك |
انشر في تويتر |
|
|
|
|