![]() اشتراكيـــون في نخاســة الرأسماليــــة أن يعارض المرء نظام الحكم في بلده ، فإن ذلك حق دستوري مكفول ما دمنا نفترض أن ثقافة كل منا ديمقراطية ، وتؤمن بالرأي الآخر، وتتشبث بحقوقها الإنسانية.. ولكن هل من حق السياسي المعارض أن يمارس حقوقه الديمقراطية وحرياته من غير أن يمتلك قيم فكرية ، أو وطنية .. أو مشروعية فيما ينادي إليه !؟ ذلك هو السؤال الذي ينبغي أن تقف عنده الجماهير عندما يباغتها موقف ثلة انفصالية تدعو إلى (حق تقرير المصير) لأرض لا تملكها ، ولشعب لم يمنحها الوصاية على مصيره ، وفي بلد فرت منه بعد أن أضرمت النيران فيه ، وسفكت دماء الأبرياء على ثراه ، ونهبت حقوق أبنائه بعد أن أممت ، وصادرت كل ما طالته أيديها من ثروات ، وممتلكات خاصة وتحت عناوين فلسفتها الحزبية – التي تلقي بها اليوم تحت أقدام أسياد البيت الأبيض ! ربما نسيت ثلة الانفصاليين ( تاج ) أدبيات الأيديولوجية الاشتراكية ، وفلسفة مرجعياتها الفكرية – سواء " لينين" ، "ماركس" ، "أنجلوس" ، أو "ماوتسي تونغ" – ولماذا قامت هذه الأيديولوجية ، وضد من قامت ، ولصالح من ، ولماذا انشطر العالم إلى معسكرين ، وشهدت البشرية حقب أعوام الخوف ، والحذر ، والترقب تحت جنح (الحرب الباردة) ! أو أنهم لم ينسوا ولكن آثروا إماطة اللثام عن وجوه الزيف ، والخديعة التي طالما تخفوا تحتها من أجل المصالح الشخصية ، وامتيازات الكراسي السلطوية ! الاشتراكية التي قامت ذات يوم من أجل الحقوق الإنسانية للعمال والفلاحين والكادحين وغيرهم من الطبقات التي سحقتها عجلات العالم الصناعي وهو يمر مسرعاً في سباق محموم نحو الثروة ، والرساميل الاستثمارية الاحتكارية ، لم تعد كذلك اليوم عند انفصاليي "تاج" الذين اكتشفوا على حين غرة سحر العالم الرأسمالي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية – عدو الأمس اللدود الذي احتاطت منه موسكو بالأسلحة الذرية والنووية الفتاكة وبأضخم الترسانات الحربية في العالم – فتحول اليوم بأعينهم إلى وجه العدالة الإنسانية المنصف ، وملاذ كل مستجير الذي يأملون فيه تمكينهم من العودة إلى اليمن المشطرة مجدداً – ولو على ظهور دباباته ! ثلة الانفصاليين الذين أمضوا أعواماً أعقبت تجربتهم الانفصالية الأولى يتسولون على فتات قصور الملوك والأمراء والشيوخ ، ويستجدون العواصم الغربية ودوائرها الاستخبارية ، قرروا اليوم الانتقال تحت مظلة "تاج" إلى الولايات الأمريكية – قلب العالم الرأسمالي- ليجربوا التسول على أبواب متاجر المغتربين اليمنيين ، وجمعياتهم ، ومساجدهم يجمعوا نفقات ( البساط السحري) الذي يلتقطهم من شتى بقاع الأرض ، وينقلهم إلى ( أرض الميعاد ) ، وليجربوا الدخول إلى أسواق نخاسة الرأسمالية عسى أن تلتفت إليهم بعض الدوائر الأمنية ، فتشتري كرامتهم ، وكل شعاراتهم التي حفظوها في مدارس الاتحاد السوفيتي ، ورددوها في سماء اليمن ليتحولوا إلى مجرد أوراق ضغط سياسية لابتزاز اليمن وشعبها. أليس أمراً مذهلاً أن يكتشف اليمنيون ، والاشتراكيون الشرفاء داخل اليمن أن (الرفاق المناضلين) ، الذين تسنى لهم يوما دخول أروقة المكتب السياسي للحزب ، وهتفوا أمام الجماهير بأصواتهم المدوية ( حزبك باقي يا فتاح ، حزب العامل والفلاح )، وغيره من الشعارات ، يصطفون اليوم أمام البيت الأبيض ، يتوسلون أسياده بتجزئة اليمن ، وتأميم سكان المحافظات الجنوبية منها ؛ متجاهلين أن عبد الفتاح إسماعيل كان أحد مناضلي الثورة اليمنية ، وحمل السلاح بوجه الاستعمار البريطاني ، ولم يختلف مع أحد في مبدأ الوحدة – حتى وإن كانت له رؤاه الخاصة في آليات تحقيق الوحدة وطبيعة تشكيل مؤسساتها السلطوية! أليس من الغرابة بمكان أن يدعي أولئك الانفصاليون أنهم أصحاب عقيدة اشتراكية ، ثم يتآمرون لإعادة الاستعمار مجدداً لأرض اليمن التي بذل أبناؤها الأرواح ، والغالي والنفيس لتحريرها منه ، وامتلاك ذاتهم الإنسانية الحرة الكريمة !! فيا لسخرية الأقدار إذ يرتمي (الاشتراكيون) بأحضان الزعماء الرأسماليين ، و في أسواق العمالة المبتذلة ؛ ثم يحاججون بأنهم "مناضلون شرفاء أصحاب فكر وعقيدة" ! فهل بلغ الغباء حداً أن يضع البعض في رأسه فكرة العودة إلى التشطير في وقت مازال أيتام ، وأرامل ، وثكالى الحروب التشطيرية ،ومجازر 13 يناير 1986م على قيد الحياة ، يروون مآسيهم للأجيال ، وليلقنونهم الدرس تلو الآخر من أجل أن يرسخوا وحدتهم اليمنية !؟ وإذا كانت ثلة " تاج " تحلم بتقليد تجربة من استقدموا قوات الاحتلال إلى بلدهم ، وتربعوا عروش السلطة ، كان الأولى بعملائها المتسولين التفكير أيضاً بأن أبناء الشعب اليمني شهدوا التجربة تلك مثلهم ، وما زالوا يتابعون أخبار المجازر الجماعية ، ويتمعنون جيداً بمشاهدها الدامية ، وبخراب المدن، وفضائح السجون ، واختطا فات الأطفال والنساء ، وشتى ألوان العذابات التي لم تعرف لها الإنسانية مثيلاً في غير ما اقترفته أيدي الذين يستقدمون الخارج إلى أوطانهم ! لا شك أن هؤلاء يعيشون زمناً خلف التاريخ ، والواقع لأنهم الوحيدون الذين لا يعلمون أن الحزب الاشتراكي اليمني تطور كثيراً عما كان عليه ، وبات له خصوصياته الوطنية التي تميزه ، وتدفع بتطلعاته للأمام .. وهو اليوم يعزز بنيانه ، ويحاور مختلف القوى ، ويتحرك بين الجماهير بثقة بالنفس ، ولم يكن بحاجة لبيع عقائده ، ومبادئه في أسواق النخاسة الأمريكية ! إن من يؤمن بالديمقراطية ، ويخرج في تظاهرات لا بد أن يؤمن بأن الديمقراطية وسيلة ترسيخ للسيادة الوطنية ، وإرادة الشعوب في صنع قرارها بنفسها ، وهي النقيض تماماً للسياسات الاستعمارية ، والاستقواء بالخارج. وأخيراً .. أقف بكل إكبار وإجلال لأبناء الجالية اليمنية في ولاية ميتشجن الأمريكية ، الذين امتنعوا بالكامل عن تقديم أي عون مالي كان لثلة " تاج" الذين تسولوا على أبوابهم ، فلقنوهم أقسى دروس حياتهم ، عندما طردوهم شر طردة ، وأثبتوا لهم القيمة الحقيقية للوحدة اليمنية التي يكنها كل مواطن يمني في قلبه – حتى لو ساقته الظروف الى أقصى بقاع الأرض .. وهو الأمر الذي غرس اليأس في نفوس الانفصاليين ومنعهم من تكرار الفضيحة في الولايات الأخرى. [email protected] |