ظاهرة تفوق الطالبات .. لماذا؟ في النتائج العامة لامتحانات الشهادة الثانوية العامة بقسميها العلمي، والأدبي للعام الدراسي 2002-2003م وفي غمرة الفرحة بما توارد إلى أذهاننا من مخرجات علمية حققها أبناؤنا الطلبة بعد إصرار، وعزيمة شديدين على النجاح، والتفوق، كانت ثمة ظاهرة متكررة في هذا العام، وعدة أعوام سابقة تلفت انتباهنا، وتشدنا للتمعن فيها، وهي ظاهرة تفوق الإناث على الذكور ضمن مجاميع أوائل الجمهورية في النتائج العامة. ففي هذا العام كسبت الإناث جولة التفوق على الذكور للمرة الخامسة على التوالي. ففي القسم العلمي سجلت الطالبات نسبة 91% من نسبة الأوائل حيث تبوأت (16) طالبة مقاعدهن بين الـ(26) مقعداً، فيما حجزن (18) مقعداً من بين (48) مقعداً للعدد الكلي لأوائل الجمهورية في القسمين الأدبي والعلمي معاً. ولا شك أن ظاهرة كهذه بحاجة إلى فيض من التأمل والقراءة التحليلية لمعطياتها في دوائر وزارة التربية والتعليم. فهي مؤشر قوي لانعكاسات بيئية واجتماعية، ونفسية على واقع الحركة التربوية في بلادنا، وطبيعة تفاعلاتها مع ظروفها. فعلى الرغم من الفروض الثقيلة التي تلقيها الأسرة على عاتق الفتاة في اليمن استطاعت هذه الفتاة أن تفرض وجودها، وقدراتها، وتطلعاتها على أرض الواقع.. وهو تحدٍ يدل بشكل أو بآخر على نقلة نوعية في مسار تفكير حواء اليمن، التي باتت ترفض التقوقع داخل أدوارها التقليدية التي عهدتها الأجيال السابقة، مما حدا بها إلى بذل المزيد من الجهود لتحرير ذاتها، والنهوض بإنسانيتها، والانفتاح على رؤى معاصرة في الحياة أسوة ببنات جنسها في دول العالم الأخرى.. ومن هنا يرى بعض التربويين، وخبراء علم الاجتماع أن تفوق الفتيات في المجال التربوي والتعليمي ينطلق في بعض حيثياته من تلك الأولويات التي منحتها لنفسها في بناء مشاريعها المستقبلية، وكيانها الإنساني. لكن البعض الآخر من حيثيات تفوق الطالبات على الذكور كان مرتبطاً بالأسرة نفسها، التي تطورت في خلفياتها الثقافية والاجتماعية على نحو مطرد، فتبدلت مع ذلك النمو نظرة الأسرة اليمنية نحو تعليم الإناث.. ولم تعد مقيدة بمواريث العهود السابقة المختلفة التي تصيب تعليم الفتاة، أو تحرمه قطعياً للدرجة التي كرست الأمية والجهالة في مجتمع المرأة بشكل خاص. لكن انفتاح الأسرة اليمنية على رؤى واقعية ومنطقية جديدة مع التمسك الصارم بالمعتقدات على عقد الرأي على تعويض الحقب المريرة التي قاست ظروفها من خلال تأهيل أفراد الأسرة على صيغ حياتية طموحة وناضجة، ما لبثت أن كرست عناية فائقة لتعليم الفتاة، وتهيئة الظروف الاجتماعية التي تكفل لها مواصلة التعلم والتفوق، وتشكيل بواكير شخصيتها المستقلة.. وهو ما يمكن عد هذا التفوق تفوقاً للأسرة ذاتها إلى جانب الطالبة. أما الوجه الآخر للتفوق الذي أحرزته الطالبات في الثانوية العامة فهو يفصح عن حجم الجهود التي بذلتها القيادة السياسية على صعيد الدفع بتعليم الفتاة، ووضع المحفزات وتهيئة المستلزمات والظروف المناسبة من أجل التشجيع على إرسال البنات إلى المدارس، والحد من ظاهرة تفشي الأمية في القطاع النسوي من المجتمع. وفي الحقيقة كانت الجهود الحكومية كبيرة جداً ومضنية _ وخاصة في المناطق الريفية التي كانت تكرس الفتاة للعمل المنزلي، والزراعي، وكان من الصعب إقناع الأسرة الريفية بمسألة إرسال بناتهم للمدارس.. لكن حجم الجهد الحكومي الرسمي، وكثافة البرامج التثقيفية للأسرة، وسعة البرامج المخصصة لقضية التعليم، وإدماج المرأة في المجتمع، والحياة العملية.. كل ذلك أسهم في صناعة الوضع المتميز، والمشرف الذي تبوأته الطالبات خلال الأعوام الأخيرة. وفي النهاية يمكن القول أن ظاهرة تفوق الإناث على الذكور ماهي إلا جزء من تنمية اجتماعية، وثقافية، وعلمية متكاملة، وإحدى حلقات النهوض التي تشهدها بلادنا بقيادة ابن اليمن البار فخامة الرئيس على عبد الله صالح الذي لم يأل جهدا إلا وبذله في سبيل النهوض بالمؤسسة التربوية، والتعليمية وتفاعلاتها على قاعدة التنمية الشاملة.. وإنها لفرصة نغتنمها في غمرة ابتهاجنا بالنتائج التي أبرزها أبناؤنا لنكرر دعوتنا ونداءنا إلى الآباء والأمهات في العمل على تشجيع بناتهن على استحصال العلم والاجتهاد والتفوق. ومع ذلك نقول في ختام هذه القراءة الأولية أن هذه الظاهرة تحتاج إلى المزيد من الدراسة من قبل الإخصائيين في مراكز البحث، والتطوير التربوي بالإجابة على سؤال لماذا أصبح تفوق الطالبات في كل عام دراسي ظاهراً؟!! وبالمقابل يرجع بعض التربويين تراجع نسب التفوق عند الطلبة إلى عدة عوامل منها: انشغال معظم هؤلاء بمتغيرات العصر، وعدم إعطاء الوقت الكافي للتحصيل اليومي في مذاكرة الدروس، عكس ذلك عند الطالبات اللاتي يحرصن على المذاكرة، والتحصيل برغم الأعباء المكلفة على الفتيات داخل الأسر علاوة على الإحساس بالقلق من عواقب الفشل. |