|
هيومان :قذائف "أمطار النار" بغزة "جريمة حرب" اعتبرت منظمة "هيومان رايتس ووتش" الدولية المعنية بمراقبة حقوق الإنسان، أن استخدام الجيش الإسرائيلي لقذائف "الفسفور الأبيض" في قصف مناطق مأهولة بالمدنيين في قطاع غزة، يُعد دليلاً واضحاً على وقوع "جرائم حرب" بحق سكان القطاع الفلسطيني. وقالت المنظمة في تقرير لها الأربعاء، إن الجيش الإسرائيلي، أثناء عملية "الرصاص المصبوب"، التي بدأت أواخر يناير/ كانون الثاني الماضي واستمرت 22 يوماً، تعمد إطلاق قذائف الفسفور الأبيض في العديد من المناطق داخل قطاع غزة، بصورة عشوائية ودون تمييز. وأورد التقرير، الذي يحمل عنوان "أمطار النار: استخدام إسرائيل غير القانوني للفسفور الأبيض في غزة"، وجاء في 71 صفحة، روايات لشهود ومراقبين على الآثار المدمرة التي خلفتها قذائف الفسفور الأبيض، التي طالت المدنيين والكثير من المنشآت المدنية في غزة. ويتضمن التقرير أدلة مستخلصة من تحليل المقذوفات، ومن الصور الفوتوغرافية، وصور القمر الصناعي، وكذلك وثائق للجيش والحكومة الإسرائيلية، كما يوثق نسقاً أو سياسة لاستخدام الفسفور الأبيض، قالت المنظمة إنها لا بد أن تتطلب موافقة مسؤولين عسكريين من ذوي الرتب الرفيعة. وفور انتهاء أعمال القتال عثر باحثو "هيومان رايتس ووتش"، بحسب التقرير، على مقذوفات فارغة وعبوات وعشرات الشظايا المغمسة بالفسفور الأبيض في شوارع مدينة غزة، وعلى أسقف البنايات السكنية، وفي مدرسة تابعة للأمم المتحدة. ويستخدم العسكريون الفسفور الأبيض بالأساس لإخفاء تحركات وعمليات الجنود براً، بواسطة خلق جدار دخاني سميك. ويمكن أيضاً استخدام الفسفور الأبيض كسلاح محرق، ولكن يجب أن يجري ذلك في أماكن مفتوحة، وليس في الأماكن المأهولة بالسكان. وقال فريد أبراهامز، باحث طوارئ رئيسي في المنظمة الحقوقية: "في غزة لم يستخدم الجيش الإسرائيلي الفسفور الأبيض في المناطق المفتوحة فحسب لحجب تحركات القوات، بل أطلق الفسفور الأبيض أيضاً بشكل متكرر على مناطق مزدحمة بالسكان." وأضاف أبراهامز أن الإسرائيليين لجأوا إلى استخدام قذائف الفسفور الأبيض "حتى عندما لم تكن القوات الإسرائيلية في المناطق المستهدفة، وفي ظل توافر قذائف دخانية أكثر أمناً، ونتيجة لذلك عانى المدنيون بشكل لا مبرر له، ولقوا حتفهم." وتابع الباحث بالمنظمة الحقوقية الدولية HRW قائلاً: "يجب تحميل كبار المسؤولين العسكريين المسؤولية جراء وفيات المدنيين بلا داعي، نتيجة لاستخدام الفسفور الأبيض." وكانت المنظمة قد تقدمت بأسئلة تفصيلية إلى الجيش الإسرائيلي، في الأول من فبراير/ شباط الماضي، بشأن استخدامه الفسفور الأبيض في غزة، إلا أن الجيش الإسرائيلي رفض الرد على تلك الأسئلة، متذرعاً بإجراء تحقيق داخلي تجريه القيادة الجنوبية بالجيش. وكثيراً ما لجأ الجيش الإسرائيلي إلى استخدام "الفسفور الأبيض المتفجر جواً" في قذائف المدفعية من عيار 155 ملليمتر، خلال عملية "الرصاص المصبوب" على غزة، بالقرب من المناطق المأهولة، وكانت كل قذيفة تنطلق منها 116 شظية محترقة، تغطي مساحة يبلغ نصف قطرها 125 متراً من موقع انفجار القذيفة. ويشتعل الفسفور الأبيض بمجرد ملامسته الأكسجين، ويستمر في الاحتراق على درجة حرارة تصل إلى 1500 فهرنهايت، أي ما يعادل 816 درجة مئوية، حتى لا يتبقى منه شيء أو حتى انقطاع الأكسجين عنه، وحين يلامس الفسفور الأبيض الجلد يؤدي إلى حروق كثيفة ودائمة. وكانت إسرائيل قد أنكرت في البداية، بحسب التقرير، استخدامها الفسفور الأبيض في غزة، لكن وفي مواجهة أدلة متزايدة على نقيض ذلك، قالت إنها استخدمت كل الأسلحة بما يستقيم مع القانون الدولي، وفيما بعد أعلنت عن "الشروع في تحقيق داخلي في الاستخدام المحتمل للفسفور الأبيض، على نحو غير صحيح." وفي هذا الإطار قال أبراهامز: "يتبين من التحقيقات السابقة للجيش الإسرائيلي في مزاعم وقوع الأخطاء، أن هذا التحقيق لن يكون مستفيضاً ولا محايداً"، وشدد على قوله: "ولهذا توجد الحاجة لإجراء تحقيق دولي في الانتهاكات الجسيمة لقوانين الحرب من قبل جميع الأطراف." وقالت هيومان رايتس ووتش إن الجيش الإسرائيلي كان يعرف بأن الفسفور الأبيض يهدد حياة المدنيين، إذ تم إعداد تقرير طبي أثناء أعمال القتال الأخيرة من جانب وزارة الصحة الإسرائيلية، ورد فيه أن الفسفور الأبيض "يمكن أن يؤدي لإصابات خطيرة والوفاة حين يلامس الجلد، أو لدى استنشاقه أو ابتلاعه." ويمكن للحروق بنسبة أقل من 10 في المائة من مساحة الجلد، أن تكون قاتلة، لأنها قد تؤدي لأضرار تلحق بالكبد أو الكليتين أو القلب، حسب تقرير الوزارة الإسرائيلية، ويمكن بسهولة أن تتلوث الحروق، وقد يؤدي امتصاص الجسد لهذه المادة الكيماوية، إلى "أضرار جسيمة في الأعضاء الداخلية، وربما الوفاة." وجميع قذائف الفسفور الأبيض التي عثر عليها فريق هيومان رايتس، مصنوعة في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1989، في شركة "ثايكول إيروسبايس"، التي كانت تدير في ذلك الحين مصنع ذخائر الجيش في لويزيانا، بحسب التقرير. ورداً على اتهامات ساقها مسؤولون إسرائيليون بأن حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، كانت تستخدم المدنيين كـ"دروع بشرية"، قالت هيومان رايتس إنها لم تجد دليلاً على الاتهامات التي سعى من خلالها الإسرائيليون إلى تبرير العدد الكبير في الخسائر في أرواح الضحايا في غزة، والذين يتجاوز عددهم 1300 قتيل. وذكر التقرير: "لم تجد هيومان رايتس ووتش أدلة على استخدام حماس للدروع البشرية في المناطق المجاورة لوقوع الهجمات في توقيت وقوع الهجمات، وتبين احتمال تواجد المقاتلين الفلسطينيين في بعض الأماكن، لكن لا يبرر هذا الاستخدام العشوائي للفسفور الأبيض في مناطق مأهولة بالمدنيين." وقالت المنظمة إنها "لأسباب كثيرة خلصت إلى أن الجيش الإسرائيلي قد استخدم ذخائر الفسفور الأبيض عن عمد أو لا مبالاة، في خرق لقوانين الحرب." ومن بين هذه العوامل أن استخدام الفسفور الأبيض في مناطق مأهولة بالمدنيين حتى الأيام الأخيرة من العملية، يكشف عن نسق أو سياسة، وليس مجرد الاستخدام العارض أو بالمصادفة، كما أن الجيش الإسرائيلي كان على دراية تامة بآثار الفسفور الأبيض وأخطاره على المدنيين، ومع ذلك لم يستخدم أخرى متاحة للتمويه بالدخان. واختتمت المنظمة تقريرها بالقول إن قوانين الحرب تُلزم الدول بـ"التحقيق بشكل نزيه، في مزاعم وقوع جرائم الحرب، والأدلة المتوفرة تستدعي أن تحقق إسرائيل مع من أمروا أو نفذوا الهجمات غير القانونية باستخدام الفسفور الأبيض، وأن تقاضيهم على النحو الواجب." كما قال التقرير إن الحكومة الأمريكية، التي أمدت إسرائيل بذخائر الفسفور الأبيض، ينبغي عليها هي الأخرى، أن تجري تحقيقاً لتعرف ما إذا كانت إسرائيل قد استخدمت تلك الذخائر على نحو يشكل خرقاً لقوانين الحرب. |