أزمة اليمن .. وموقف الرياض المتميز تستحق القيادة السعودية كل ذلك الثناء والتقدير الذى يتردد اليوم على ألسنة معظم اليمنيين الذين دفعت بهم ازمتهم الطاحنة وتداعيات الاوضاع الصعبة التى يمر بها وطنهم الى قراءة كل المواقف الصادرة من قريب او بعيد او شقيق او صديق فقد وجدوا من خلال هذه القراءة واساليب القياس ان الموقف السعودي كان متميزاً على كل المواقف الاخرى في تعاملاته مع تطورات الازمة اليمنية وتداعياتها الملتهبة. حيث جاء ذلك الموقف منزهاً من الدوافع الذاتية ومغلباً للمنطق الذى تمليه مصلحة الشعب اليمني ومجريات الحفاظ على وحدته الوطنية وسلمه الاجتماعي واستقراره الداخلي الذى يعد احد مرتكزات الاستقرار في المنطقة بأسرها .. وبفضل التعامل المتوازن الذي اتبعته المملكة والنابع من روح الإخاء وعلاقات الجوار ووشائج القربى والرحم ومسؤولية الشقيق نحو شقيقه فقد امكن للرياض القيام بدور محوري لاحتواء تفاقم الازمة اليمنية وبما جنب هذا البلد حالة الاندفاع التى اتسمت بها الاحداث في ليبيا وسورية ليقدم اليمن بذلك تجربة متميزة للانتقال السلمي للسلطة. ومن المؤكد ان الاتفاق على الآليات والمحددات التى تضمنتها المبادرة الخليجية وآليتها المزمّنة والتى تم التوقيع عليها برعاية خادم الحرمين الشريفين قد شكل الاطار الناظم لمسارات المرحلة الانتقالية والمهام التى يتعين انجازها في هذه المرحلة وفي المقدمة من ذلك ابعاد الاصابع عن زناد البنادق واعادة فرقاء العمل السياسي في اليمن الى مربع الحوار الذى كلل باجراء الانتخابات الرئاسية التوافقية وتشكيل حكومة مشتركة من المؤتمر الشعبي العام وحلفائه واحزاب المعارضة ليتحمل الجميع مسؤولية بناء اليمن الجديد بدرجة متساوية لتنتصر الحكمة على طبول الحرب التى اراد البعض إشعالها خدمة لاجندته ومراميه التوسعية. وهو ما فطن اليه الاشقاء في مجلس التعاون الخليجي الذين استشعروا من وقت مبكر ان بعض الاطراف الاقليمية الطامحة الى نشر الفوضى في المنطقة لن تتوانى عن استغلال اية فرصة لاحباط مسارات التسوية السياسية للازمة اليمنية فعملوا على ردم كل الفجوات التى كان يمكن ان تتسلل منها تلك الاطراف المتربصة التى حاولت افشال المبادرة الخليجية تارة بالغمز واللمز بأن هذه المبادرة جاءت لتخدم طرفا على حساب الطرف الاخر، وتارة باللعب على وتر التجاذبات واثارة الخلافات بين القوى السياسية اليمنية بهدف جرها الى مستنقع التصادم من جديد. ولاشك ان المملكة العربية السعودية قد ايقنت قبل غيرها ان ماتحقق من تقدم على الصعيد السياسي في اليمن هو قابل للانتكاس في اية لحظة مالم يعمل جميع اصدقاء اليمن على تبني خطة للنهوض بهذا البلد اقتصادياً وتنموياً واجتماعياً وبما يمكنه من استعادة عافيته واستقراره وتجاوز كافة معضلاته ومشكلاته التى تفاقمت بشكل متصاعد وكارثي بفعل الاحداث الملتهبة التى شهدها مطلع عام 2011م. وليس بغريب على المملكة مثل هذا المواقف الاخوية الصادقة تجاه اليمن فالمتابع لمسيرة العلاقات بين البلدين سيجد تماماً ان المملكة لم تتأخر يوماً عن تقديم ماتحتاجه جارتها الشمالية من دعم وعون واسناد في كافة الظروف والاحوال وقد تجلت ملامح هذه الحقيقة بأنصع الصور في تلك التحركات التى بذلتها القيادة السعودية من اجل الترتيب لانعقاد المؤتمرالوزاري لمجموعة اصدقاء اليمن الذي استضافته الرياض في النصف الثاني من شهر مايو الماضي. ورغم ان ذلك المؤتمر كان بمثابة منتدى سياسي لتقييم عملية الانتقال السلمي للسلطة في اليمن فقد حرصت حكومة خادم الحرمين الشريفين على الاعلان في هذا المنتدى عن تقديم المملكة مبلغ 3.25 مليارات دولار امريكي لدعم جهود التنمية في اليمن حيث ارادت بذلك الاعلان الاستباقي تحفيز كافة الدول والمؤسسات المانحة التى ستجتمع نهاية الشهر الجاري بالرياض الى رفع مساعداتها واسهاماتها في خطة الانقاذ التى يحتاجها اليمن الذى يعاني من اقصى درجات الفقر والبطالة فضلا عن تدني المستويات المعيشية لمواطنيه الذين تضاعفت متاعبهم في الفترة الاخيرة بفعل التأثيرات القاسية الناجمة عن تداعيات الازمة السياسية والحرب على الارهاب وتدفق مئات الالاف من اللاجئين من الصومال والقرن الافريقي الى الاراضي اليمنية وبمايسمح لهذا البلد على اقل تقديرمن تنفيذ خطته قصيرة الاجل والتى يسعى من خلالها الى استعادة استقراره السياسي والاقتصادي والامني والاجتماعي والتغلب على كابوس الانهيارالذى يطارده والدخول لمرحلة من التوازن تسير به نحو المستقبل الآمن والمزدهر. ومالم يتحقق هذا الهدف من مؤتمر المانحين فإن الحلول المطروحة لمشكلات اليمن ستبقى ناقصة او منقوصة.. عن صحيفة الرياض |