|
المسلسلات البدويّة. بين المنافسة والتكرار تزدحم شاشة رمضان هذه السنة بالمسلسلات البدوية من بينها: «فنجان الدم»، «راعية الوضحا»، «جمر الغضا»، «جواهر»، «قبائل الشرق». إلي أي مدى تعكس هذه الدراما الواقع الاجتماعي المعاش وهل تعبّر فعلاً عن قضايا الناس وهمومهم؟ لماذا العودة إلى هذه النوعية من المسلسلات وما مدى تأثيرها على الأعمال الدرامية الأخرى؟ يرى النقاد أن الدراما البدوية مطلوبة لأنها تتوجه إلى المجتمعات البدوية وتعكس واقعها، لذا لا يمكن اعتبار كثافتها تياراً جديداً يهدف إلى تحجيم الدراما المصرية والسورية، خصوصاً أن المشاهد العربي يملك خيارات كثيرة وهو صاحب القرار في متابعة هذا المسلسل أو ذاك... في نظرة عامة نلاحظ أن ظاهرة المسلسلات البدوية ليست جديدة وهي لطالما كانت حاضرة إلى جانب الأعمال المصرية والسورية والخليجية، لكن تكمن المشكلة في تكرار المواضيع وخلوّها من أي نكهة جديدة، يعود ذلك ربما إلى محدودية البيئة البدوية، إذ إن المتغيرات فيها واحدة ولا سبيل إلى التجديد، وتنحصر الأحداث في فلك واحد: شاب بدوي يغرم بشابة من قبيلة معادية، ويقعان ضحية هذه الخلافات.. أو قبيلة تسعى إلى الثأر من قبيلة أخرى وغيرها من الأفكار الروتينية... ظاهرة إيجابية توضح الكاتبة اللبنانية كلوديا مرشيليان في دردشة مع «الجريدة» أن كثرة الأعمال البدوية ليست ظاهرة سلبية لأنها تشبه الأعمال التاريخية التي تعبّر عن حقبة معينة من الزمن، خصوصاً أن البعض ما زال يعيش وفق هذا النمط الحياتي، لذا تحقق هذه المسلسلات نسبة مشاهدة عالية، والأهم أنها تضفي التنويع بعدما باتت المواضيع في الأعمال الدرامية متشابهة. تضيف مارشليان: «ليس من الضروري أن يكون المسلسل ترجمة للواقع، قدمت مثلاً مسلسلي «حواء في التاريخ» و{مجنون ليلى»، وهما يندرجان في مضمونهما ضمن الأطر التاريخية البعيدة عن الواقع المعاش اليوم، لكنهما حظيا بنسة مشاهدة عالية، لأن طريقة التنفيذ والحوار والقصة، كلها عوامل جذبت المشاهد إليهما، من هنا أؤيد المسلسلات البدوية شرط أن يكون ثمة تنويع في المواضيع وألا تكون مستنسخة عن بعضها وتدور في فلك واحد». فنجان الدم في نظرة سريعة إلى الدراما البدوية لهذه السنة نجد أن «فنجان الدم» هو الأكثر متابعة وتشويقاً، ويتمحور حول ملحمة بدوية تدور أحداثها في مرحلة تاريخية مهمة في نهاية القرن التاسع عشر التي شهدت تفتت السلطنة العثمانية وانقضاض إمبراطوريات أخرى على المنطقة، وتلقي الأضواء على الأوضاع الفكرية والاقتصادية والاجتماعية السائدة في تلك الفترة من خلال قبيلتي «المعيوف» و{نوري الجزاع». يضعنا المسلسل أمام رؤية أكثر عمقاً وشمولية من تلك التي سبق أن قدمت في المسلسلات التي تناولت حياة البدو، وبرزت، منذ الحلقات الاولى، المحاكاة الدقيقة لعادات هؤلاء . المسلسل من تأليف الكاتب عدنان العودة، إخراج الليث حجو، بطولة الفنان جمال سليمان الذي يؤدي دور فارس قبيلة «نوري الجزاع». في حديث إلى أحد المواقع الإلكترونية يشير جمال سليمان إلى أن «فنجان الدم» يوثق مرحلة مهمة من تاريخ البادية وليس العادات والتقاليد فحسب، بالإضافة إلى الأثر الكبير الذي خلفته البادية على المنطقة ككل. يضيف سليمان أن المسلسل يختلف عن الأعمال البدوية التقليدية التي تركّز على الصراع العاطفي وغزوات القبائل، وذلك من خلال عرض صراع البدو للبقاء، ومواجهتهم للبيئة القاسية، والدور السياسي الذي أدته القبائل في مراحل تاريخية مختلفة. يدعو سليمان إلى توظيف التاريخ العربي الناصع بكلّ ما فيه من عادات وتقاليد مشرّفة في الإنتاج الدرامي الضخم، على أن يكون هذا التوظيف مدروساً بعناية. قصص مشوّقة من جهتها ترى النجمة لاميتا فرنجية بطلة المسلسل البدوي «جمر الغضا» في دردشة مع «الجريدة» أن الأعمال البدوية تلاقي انتشاراً كبيراً لأنها تعرض قصصاً مشوقة وحياة حقيقية عاشها العرب على مرّ تاريخهم، ركزت على قيم الكرامة والشهامة والقوة. عن تجربتها في المسلسل قالت لاميتا: {جذبتني القصة التي تدور أحداثها بين قبائل بدوية في نهاية العهد التركي، وتجمع بين الحرب والحب، فأنا أميل إلى الأعمال التاريخية والبدوية وأتابعها». أضافت: «تحمست للدور لأنه خولني تجسيد شخصيتين: سروج البدوية التي تمرّ بأحداث كثيرة في حياتها، وشوحا الجنية وقد تطلبت هذه الأخيرة ملابس وماكياجاً وطريقة تمثيل مختلفة... لم يكن سهلاً تقديم شخصيتين مختلفتين في عمل واحد، لكني برهنت أنني ممثلة قادرة على أداء الأدوار جميعها». يبدأ المسلسل بغزو الشيخ ابن الصافي قبيلة الشيخ راجح بهدف الثأر والرد على غزو القبيلة الثانية للأولى، فيقتل الشيخ ابن الصافي رجلاً اسمه «معدي» لتتطور الاحداث في ما بعد. ما الجديد الذي قدمه «جمر الغضا» من ناحية الموضوع؟ لا شيء، وبقي يدور في فلك قصص الحب والحرب والثأر، على الرغم من المشاهد الجميلة والحرفية في التمثيل. يبدو أن المسلسلات البدوية ستشهد المزيد من الإنتشار مستقبلاً، لكن يبقى السؤال نفسه يطرح دائماً: ما الجديد الذي قد يحمله هذا النوع من المسلسلات بعد سلسلة من العروض لا تنتهي على مدار السنوات الماضية والحاضرة وبعدما تمّ التطرّق إلى معظم المواضيع؟ وهل يمكن القول إن التكرار قد يكون سيد الموقف في الأعمال المقبلة أم أن البحث عن معالجات جديدة قد يميّزها عن «نمر بن عدوان» وعيون عليا» و{ساري» و{صراع على الرمال» وصراع تحت الشمس» وغيرها من الدراما البدوية؟ الجريدة |