«الإصلاح» هل ينجو من الانتحار السياسي؟! لا ريب أن دعوة فخامة الأخ علي عبدالله صالح- رئيس الجمهورية رئيس المؤتمر الشعبي العام- لحزب الإصلاح للمشاركة في الانتخابات القادمة قد أحدثت ردود أفعال مختلفة داخل أجنحته تعكس رؤية كل منها حول ابعاد ومدلولات الدعوة، وأهمية اعطائها حقها من النقاش المستفيض وعدم التعجل في اتخاذ المواقف نظراً لما قد ينتج من مواقف متشنجة لا تمتلك الرؤية الكاملة والصائبة للمشهد السياسي الراهن وطبيعة ما يشهده من تفاعلات متسارعة على مستوى مختلف الأصعدة. نقول ذلك من منطلق ادراكنا أن تنظيماً بحجم ومكانة التجمع اليمني للإصلاح ليس بالسهولة بمكان على أي من اجنحته أن يمتلك زمام أمره أو السير به باتجاه خدمة أجندة أجنحة على حساب حاضر ومستقبل التنظيم.. وحقيقة ما دفعني إلى الكتابة حول دعوة فخامة الرئيس للتجمع اليمني للإصلاح هو لقائي بعدد من الشخصيات المنضوية في إطاره والمحسوبة على الجناح القبلي وآخرين سواءً أكانوا منضوين في إطار جناح الاخوان المسلمين أو الجناح الذي يحلو للبعض تسميته بجناح الشيخ الزنداني، حيث خضت معهم حديثاً مطولاً حول أبعاد دعوة فخامة رئيس الجمهورية إياهم للمشاركة وقد أدهشني ما سمعته من آراء تؤكد في مجملها على ضرورة التعامل الايجابي مع المعطيات الراهنة للحياة السياسية عموماً وبكل ما يشوبها من تحديات وتفاعلات باعتبار أن هذا التعامل يمثل مخرجاً مناسباً لمختلف الإطارات الحزبية من حالة الاحتقان وبالصورة التي تمكنها من عمل الرؤية الكاملة لكل جوانب هذا المشهد. وذلك لا يتطلب مجهوداً ووقتاً كبيراً لتجاوزها وإنما يتطلب قراراً فاعلاً يقدم المصلحة العليا على المصالح الآنية في إطار رؤية متجردة من حالة الشطط والإثارة تمكن طرفي العملية السياسية في البلاد من الالتقاء الايجابي حول النقاط الجامعة لا المنفرة. وقالو: إن الإصلاح لابد أن يستغل ما تبقى من الوقت على موعد الاستحقاق الدستوري القادم لإجراء نقاش مسؤول خاصة مع اتساع حالة التباين بين اجنحته حول دعوة الرئيس، مشيرين إلى أن عدم ذلك من شأنه ألا يقدم التجمع اليمني للإصلاح إلى الرأي العام كتنظيم يؤمن بالرأي والرأي الآخر، كما أن ذلك من شأنه أن يدلل بصورة قاطعة على أن هناك أزمة داخل التجمع اساسها الضيق بالآخر سواءً أكان داخل التجمع أو على صعيد الحياة الحزبية والسياسية. وذلك أمر من شأنه أن يضعف مواقف التجمع أمام الرأي العام وكافة المهتمين والمختصين الذين يتفقون سلفاً على أن الاصلاح مازال في حالة اختبار لتأكيد مدى قدرته على الاستمرارية ككيان حزبي من خلال إضفاء حالة من الديمقراطية الداخلية المنظمة للعلاقة بين تكويناته. وإذا كان التجمع اليمني للإصلاح يواصل اليوم عقد مؤتمراته المحلية في إطار المحافظات وما ينتج عنها من بيانات شاطحة، دعت البعض إلى القول إن ما يصدر عنها لا يعبر عن رأي كل أجنحة الإصلاح وإنما يعبر عن طرف واحد، يكاد يصور للمتابعين بأنه أضحى يستحكم في قرارات وتوصيات تلك المؤتمرات، خاصة ما تتضمنه من مواقف رافضة للاستحقاق الانتخابي القادم.. ويبرر هؤلاء رأيهم بأن هذه البيانات لا تعبر إلاّ عن حالة من المزايدة السياسية والتي ترى قيادات في الإصلاح ضرورة التمسك بها كأجندة لتحقيق أهداف ومآرب تخص التجمع، إلاّ أنه لايمكن أن يبنى على تلك البيانات اساس لاصدار قرارات وتوصيات المؤتمر العام القادم وإن حاول البعض التأكيد مبكراً بأن ما سيخرج عن هذا المؤتمر لا يختلف عن بيانات اليوم. وهو الأمر الذي يعتقد عدد من المراقبين أن المؤتمر العام للتجمع أمام مفترق طرق إما التعامل مع دعوة فخامة رئيس الجمهورية أو السير نحو المزيد من التفكك والتشظّي داخل الإصلاح. ويرى هؤلاء أن المؤتمر العام لحزب الإصلاح لابد أن يقف بمسؤولية أمام قضية المشاركة في العملية الانتخابية وبمعنى أدق أن يتحمل الجناح الرافض المسؤولية التي تعني تحمل هذا الجناح تبعات مثل هذا القرار وما ينتج عنه من تداعيات خطيرة تؤثر على الحياة الداخلية للتجمع وقد تدفع بأجنحته إلى التصادم المباشر خاصة وأن قيادات عليا تدرك أين تكمن مصلحتهم مع ضرورة التفاعل مع كافة الأطراف الفاعلة على الساحة نظراً للأهمية البالغة التي تمثلها في الحياة اليمنية وعلى رأسها المؤتمر الشعبي العام بزعامة علي عبدالله صالح الذي استطاع السير به نحو المستقبل وحرص على أن يكون الاخوان المسلمون إحدى الدعائم الأساسية التي ارتكز عليها الحوار في ثمانينيات القرن الماضي. نخلص من ذلك إلى أن القائد علي عبدالله صالح- رئيس الجمهورية رئيس المؤتمر الشعبي العام- الذي سعى مبكراً إلى التعامل مع الاخوان المسلمين وعدم رفض حركتهم كعامل مهم من عوامل المشهد السياسي اليمني في بداية الثمانينيات، هو نفسه الذي يوجه مع نهاية العقد الأول من القرن الواحد والعشرين الدعوة الصريحة للتجمع اليمني للإصلاح للمشاركة في العملية الانتخابية القادمة. إن الإصلاح إذا ما حرص على وضع كافة المعطيات الراهنة بعيداً عن التشنجات السياسية، فسيتجاوز هذه المرحلة مع التأكيد أن أية نتيجة متشنجة سوف تصدر عن مؤتمره العام القادم ستكون مفصلية في مسار تاريخه كما ستكون محطة لبداية تداعيات خطيرة لا نشير لها هنا من باب الترويج أو التخويف، ولكن من باب الحرص على تذكير قيادات الإصلاح بأهمية التعاطي بعقلانية.. وهنا نؤكد أن التجمع اليمني للإصلاح سوف يدفع الثمن غالياً لأي قرار تشنجي يعبر عن رؤية ضيقة وآنية، وأن قواعده المنتشرة في العديد من المحافظات سوف ترفض أي قرار تتخذه أجنحته المتشددة لصالح اهوائها، وستذهب نحو المشاركة في الانتخابات القادمة ولو كان ذلك تحت مسمى المستقلين.. ولسنا هنا بحاجة إلى التذكير بأن أعضاء التجمع سبق لهم أن سجلوا بجدارة حالة احتجاجية على قياداتهم إبان الانتخابات الرئاسية الماضية حيث ذهب بعضهم إلى التصويت لفخامة الرئيس علي عبدالله صالح وكذا لمرشحي المؤتمر في المحليات، وهو أمر تؤكده الأرقام والإحصاءات التي تحفل بها وثائق اللجنة العليا للانتخابات.. وكل ذلك لاريب يجعلنا نتوقع حدوث مفاجأة من قواعد الإصلاح تنتصر للواقعية والموضوعية وتحول دون دخوله دائرة الانتحار السياسي الذي حذر منه فخامة الرئىس مبكراً وبشفافية عالية. |